يرى آلاف السودانيين الذين تسللوا الى اسرائيل عن طريق سيناء، أن منطقة «المحطة المركزية» وسط تل أبيب مركزاً لهم، وتنتشر بجنباتها مقاهي وأندية وصالونات تعكس الثقافة المحلية لهم ويتميزون بالتكافل أمام أي اعتداء على أحدهم. وتنبعث الموسيقى الخاصة بهم من بعض محالهم التجارية المتواضعة التي يرفرف على رأسها العلم السوداني، فيما يصطفون في مجموعات عارضين خدماتهم لمتعهدي العمل الباحثين عن أيدي عاملة غير مكلفة في المدينة. وحسب مركز مساعدة العمال الأجانب يبلغ عدد الوافدين من السودان نحو 7000 متسلل منهم 1600 من دارفور، أغلبيتهم الساحقة جاءت الى اسرائيل بعد مداهمة الشرطة المصرية لاعتصام نظمه سودانيون في القاهرة عام 2005 قتل وأصيب فيه العشرات منهم. ووفقا ل»الجزيرة نت» يعمل السواد الأعظم من هؤلاء في الخدمات والأعمال الشاقة، ومعظمهم مثقفون، بعضهم حائز على شهادات جامعية في الهندسة والحقوق والعمل الاجتماعي وغيرها. وأغلبية هؤلاء هم من الرجال الشباب علاوة على بضع مئات من النساء ونحو 2000 طفل، ويكابد غالبية هؤلاء من صدمات وحالة نفسية قاسية. وحكى ياسين، سوداني ثلاثيني يعمل في حي المحطة، انه يبدي تحفظاً من التحدث للاعلام العربي «المنحاز» لحكومة السودان، خشية أن يعود ذلك بالضرر على عائلته وعائلات رفاقه المتواجدين معه في اسرائيل. ياسين الذي يجيد العربية ويتمتع بقسط وافر من الثقافة ينوه الى أنه أفريقي مسلم وليبرالي فرضت العربية عليه في المدرسة، مؤكداً أن عشرات فقط من السودانيين المقيمين في اسرائيل اليوم هم من العرب. ولا يخفي ياسين شعوره الكبير بالحنين لوطنه وأهله الذين تقطعت بهم السبل في دول مجاورة كتشاد أو لمناطق نزوح أخرى داخل السودان. ويؤكد ياسين أنه لا اتصال مباشر له مع ذويه، رافضاً الاشارة لطريقة الاطمئنان عليهم وايصال الرسائل والدعم المالي لهم، كالكثيرين من زملائه، مكتفياً بالقول «إنها مسألة معقدة». أما اسماعيل الذي يتجدد تصريح اقامته مرة كل عام فهو يعمل مهندس حاسوب في شركة اسرائيلية يشكو، بلغة عربية، نفقات الحياة الغالية ويعرِّف نفسه بأفريقي. وعن حالته الراهنة يقول «مستورة والحمد لله»، ويرى أنه رغم المصاعب التي يواجهها، يبقى الحال أفضل من الاقامة في مصر التي مكث فيها أربع سنوات وتعرض خلالها «للقمع والتنكيل». محمد شاب دارفوري وهو صاحب صالون وبائع لبطاقات هواتف الجوال مسلم يجيد العربية، يوضح أنه قدم باحثاً عن عمل في اسرائيل، بعد أن جرب حظه في مصر وليبيا. يبلغ معدل ما يتقاضاه شهرياً نحو 1000 دولار، وكغيره من السودانيين يقول انه يحول جزءاً منها لمساعدة عائلته في دارفور بحوالات بنكية لمصر. محمد الذي يعلق علم «السودان حركة جديدة» في صالونه، يؤكد أنه لن يتردد بالعودة لوطنه في حال استتب السلام فيه. ويعد محمد نفسه محظوظاً كونه حاز على اقامة مؤقتة من السلطات الاسرائيلية تجدد كل عام بخلاف أغلبية السودانيين الذين لم يحصلوا بعد على مواطنة أو بطاقة الاقامة، لكن السلطات الاسرائيلية تغض الطرف عنهم. وفيما يتعلق بانتماءات اللاجئين السودانيين في اسرائيل، تقول الباحثة في الشؤون الأفريقية في الجامعة المفتوحة د. ايريت باك، ان السودانيين في تل أبيب ينقسمون بين قادمين من جنوب السودان ومعظمهم من غير المسلمين والمسيحيين وينتمون لديانات محلية، وبين مسلمين غير عرب من منطقة دارفور، اضافة للاجئين مسيحيين من منطقة الخرطوم. وتشير باك الى أن كل اللاجئين السودانيين والأفارقة يحرصون على الاحتفاظ بلغاتهم وبثقافاتهم من خلال أطر وفعاليات اجتماعية، منوهة الى أنهم يقدمون عروضاً للجمهور الواسع أحياناً يتخللها رقص وموسيقى من تراث بلدانهم. وفي المقابل، لا يتردد السودانيون الشباب بتكييف أنفسهم -كبقية المهاجرين- مع البيئة الجديدة، أما أطفالهم فيدرسون في مدرسة خاصة بهم وبأبناء بقية العمال الأجانب تتبع لوزارة المعارف الاسرائيلية ولغتها المعتمدة العبرية. وتؤكد باك، استناداً لمعطيات الشرطة الاسرائيلية، فان نسبة الجريمة في أوساط الأفارقة داخل تل أبيب آخذة بالارتفاع.