٭ حضر عبد العزيز لمنزله الكائن بالجريف غرب الحارة السادسة عقب نهاية دوام عمل مرهق مليء بالمشاغل والجري وراء لقمة العيش، جاء مكدوداً ومرهقاً، وبعد ان سأل زوجته من عناء أحوال البيت والاطفال والامور الحياتية اليومية تناول وجبة الغداء التي عادة ما تكون بعد المغرب كما جرت العادة هذه الايام، وعقب شرب الشاى سمع صوت المؤذن ينادي لصلاة العشاء، توضأ ومن ثم ذهب للمسجد وأدى فرضه وتلاقى مع الجيران والمصلين بالمسجد وتبادل معهم التحايا والسؤال عن الأحوال، وتناول معهم وبصورة خفيفة ما يشغل الناس من قضايا سياسية واقتصادية أضحت شغل الناس الشاغل تفرض نفسها على تجمعاتهم ومنتدياتهم، عاد أدراجه البيت حامداً شاكراً، راضي النفس مرتاح الضمير، وهكذا حاله دائماً لا ينشغل بالدنيا نادراً ما تجده عابساً يلقى الناس هاشاً باشاً، لا يعرف إلا رقيق القول وجذل العبارة، فالدنيا عنده لا تتجاوز حد الابتسامة والكلمة الطيبة ولا تعرف الاحقاد طريقاً الى قلبه، شاهد التلفاز واستمع للاخبار، اطمئن على الاولاد واحكم اغطيتهم عليهم، تمدد في سريره والى جواره أبناؤه وزوجته (منى) في باحة حوشهم الفسيح، استلقى على سريره وسرعان ما استغرق في نوم عميق، وفي حوالي الساعة الثالثة صباحاً استيقظ فجأة، وأول ما وقع عليه نظره ذلك الشخص فارع الطول الذي يرتدي رداء قصيراً وفنيلة، ويحمل بين يديه خنجراً ضخماً يلمع في ضوء القمر، وقد كان يقف على رأسه تماماً والمسافة بينهما قريبة، وقد الهمه الله بأن تكون حركته في اتجاه رجليه على عكس عادته في النهوض على الجانب الذي يقف عليه المجرم، الحركة المفاجئة لعبد العزيز واستيقاظه فجأة اربكت حسابات اللص، فما كان منه إلا ان تراجع للخلف شاهراً السكين وبقفزة واحدة تسور الحائط وولى هارباً، جرى عبد العزيز خلف الحرامي وقال مخاطباً جاره القاضي: (يا مولانا الحرامي اضربه طلقه). هنا التفت الحرامي لعبد العزيز وفي جرأة بالغة وقال له (يضربني طلقة أنا، طيب ح اجيكم ثاني)، فقد بلغت الجرأة بهذا المجرم ان يتحادث معه ويجادل ويهدد ويتوعد وهذه الجرأة اكتسبها نتيجة لاطمئنانه التام بعدم وجود ما يتهدده من دورية أهلية أو دورية شرطة راجلة أو راكبة، وهذا السلوك هو ديدن جميع اللصوص الذين استباحوا مدينة الجريف غرب فقد ادخلوا الهلع والرعب في النفوس وارهبوا الاطفال والنساء وحولوا ليل الجريف لجحيم، هؤلاء اللصوص يتمتعون بجرأة يحسدون عليها، يأتون مدججين بالسواطير والسكاكين والخناجر ويأتون في مجموعات ولا يتوانون في استعمالها اذا دعت الضرورة لذلك، فالجريف قد استبيحت تماماً وما ان يحل الظلام ينشغل الاهالي وربات البيوت في إحكام الاقفال والدفاعات والاستحكامات تحسباً لهجمات قطاع الليل وشذاذ الآفاق، فقد تركت السلطات المختصة مواطني الجريف يواجهون مصيرهم، فقد تم سحب عربات الدورية والارتكازات من المناطق الحيوية والمواقع المهمة، وقد تعرض مواطنو الجريف لهذه الهجمات نتيجة لتخليهم عن عاداتهم القديمة ومواقفهم المشهودة في التصدي للصوص ومعاقبتهم وإعتبارهم لمن يعتبر، فقد ترك الشباب تسيير الدوريات وسد الثغور، وادمنوا السهر في مشاهدة الفضائيات، وقد تيقن اللصوص من ذلك وأصبحوا لا يخشون بأسهم ولا يهابونهم، فتمادوا وطغوا وتبجحوا، فقد ولى زمن الحرامي الذي يهرب من النحنحة وأصوات الاقدام على الارض، وعلى السلطات المختصة توفير الحماية اللازمة بعد قيام الشباب بالدور المناط بهم، وذلك بتسيير الدوريات الثابتة والمتحركة وتكثيف التواجد الشرطي، وفتح خطوط ساخنة لتلقي البلاغات الليلية، فالجريف غرب من أقدم وأعرق أحياء الخرطوم ولا يجوز تركها نهباً للأشرار هذا من أوجب واجبات الشرطة في توفير الأمن والسكينة والطمأنينة، والله سبحانه وتعالى ربط العبادة بتوافر الإطعام والأمن (فليعبدوا رب هذا البيت الذي اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)، وهذا التحرك يجب ان يكون اليوم قبل الغد وفي اعجل سانحة فالوضع لا يحتمل، والروايات والقصص الحزينة تترى، ولعل اشهرها قصة صاحب الموتر الذي قام بإغلاقه وتأمينه وعند الصبح وجده اثرا بعد عين، وما زال صاحبه يتساءل كيف تمكن اللصوص من سرقته هل احضروا عربة اقلته ام حملوه على اكتافهم؟ وبغض النظر عن الاجابة فإن الحقيقة المؤكدة هي انه قد فقده ولن يعود اليه ثانية. هذا الانفلات الامني يجيء في وقت حساس والبلاد تواجه مرحلة مفصلية عن تاريخها والناس تتناوشها الافكار وتلعب بها الظنون حول المستقبل ومصير البلد بعد الاستفتاء الذي اضحى كل نتيجة يسفر عنها وحدة ام انفصالا تنعكس بصورة أو بأخرى على معاش الناس ومسار حياتهم وتحدد مستقبلهم، فالهواجس والظنون تكاد تعصف بالمواطنين وهنالك حالة من الترقب والحذر وانتظار المجهول، فهذا الواقع لا يحتمل ان يقترن بمهددات أمنية تؤرق المضاجع، فالانقاذ دائماً ما تباهي بأنها استطاعت إعادة الأمن والطمأنينة، وبسطت يد القانون ووضعت حداً للصوص. ولا يمكن لها ان ترتخي قبضتها في مثل هذه الظروف، ويجب عليها اتخاذ الاجراءات الكفيلة والحاسمة لوضع حد لهذا النشاط الليلي المرعب، الذي أصبح يهدد مواطني الجريف وحياتهم ومعاشهم فالحق في الأمن والأمان قيمة انسانية أصيلة وحق مكتسب يجب عدم التفريط والتهاون فيه، نكرر مناشدتنا للجهات المختصة بالتدخل العاجل لايجاد المعالجات الحازمة والحاسمة لاقتلاع هذه الظاهرة السيئة من جذورها. حاشية: ٭ عندما تعانق أعين القاري الكريم أحرف هذا المقال أكون بمشيئة الله قد غادرت للاراضي المقدسة وامي واختي لاداء فريضة الحج، أسأل الله ان يعيده وبلادنا تنعم بالأمن والرفاه.