«هوليود تنهي صراع توم وجيري برحلة صداقة» هكذا طالعت العنوان بجريدة «الصحافة» فى عدد قديم وقع فى يدى بالصدفة، وجاء في ثنايا الخبر أن شركة الإنتاج الأمريكية «وارنر بروزرس» بصدد إنتاج فيلم سينمائي بطولة ثنائي الرسوم المتحركة الشهير.. القط توم والفأر جيري، حيث يعرض الفيلم كيف التقى توم وجيري لأول مرة، وكيف نشأت بينهما الخصومة قبل أن يضلا طريقهما في مدينة شيكاغو الأمريكية ويضطرا للتعاون سوياً في رحلة مضنية للعودة إلى منزلهما. متوسطو العمر من أمثالنا وحتى من هم أكبر سناً يعشقون جهراً أو سراً مشاهدة هذه الأعمال الكرتونية. أنا شخصياً أعشق أفلام الكرتون هذه، ولا استحي من الجهر بهذا العشق، فهذه الأفلام بها قدر هائل من الإبداع يتصيد المفارقة المضحكة ويمسك بها ثم يفرغها كشحنة إبداعية في بضع ثوانٍ ، وهو أمر لا يقدر عليه سوى عباقرة الإبداع أمثال جوزيف باربرا مبتكر شخصيتي توم وجيري الذي رحل من الدنيا قبل سنوات. في زماننا أو زمان طفولتنا بالتحديد لم يولد توم وصديقه اللدود جيري. وكان يحتكر خيالنا وقتها «ميكي ماوس» ذاك الفأر الذي تمخض فولد جبلاً هو إمبراطورية «والت ديزني» المعروفة إلى جانب مجلة «سمير» المصرية الشهيرة، وعلى الصعيد المحلي كان خيالنا الطفولي تملأه مجلة «الصبيان» والتي يتربع على صفحتها الأخيرة «عمك تنقو».. تلك الشخصية التي يرسمها الفنان المتعدد المواهب شرحبيل أحمد. التحليل السلوكي ل «توم» يصفه بالقط القوي الأرعن الذي جعل من الإمساك ب «جيري» همه الأوحد، وتتجلى رعونته حينما يورد نفسه مورد الهلاك والأذى في كل محاولاته الخائبة.. وبالمقابل فإن جيري يمثل بكل ضعفه ونباهة عقله الشطارة التي تجعل كفة «الضعف النابه» لها الغلبة على كفة «القوة الحمقاء». السيد الإمام الصادق المهدي مولع باستخدام التشبيهات الجاذبة والحرَّاقة في معاركه السياسية. استمعت إليه قبل سنوات بجامعة الخرطوم وهو يشبه نظام الإنقاذ بالقط توم، ولم يقل لنا من هو جيري بكل ما فيه من ضعف نابه. أيضاً في عهد الديمقراطية الثالثة هناك من وصف صراع السيدين بمشاكسة توم وجيري دون الإفصاح عمن منهما السيد توم ومن يكون مولانا جيري ؟ وتوم كما قلنا يمثل سلوكاً وفكراً معيناً يمازج بين القوة والحمق، بينما جيري يجسد نمطاً آخر يمازج بين الضعف ونباهة العقل، وعلى هذا التباين يمكننا الإسقاط على كل مناحي واقعنا السياسي والاجتماعي.. الزوج والزوجة في داخل جدران المنزل من منهما توم ومن يكون «أو تكون» جيري؟ المؤتمر الوطني والحركة الشعبية.. أيهما توم وأيهما جيري؟ وفي هذه الحالة الأخيرة فلنوزع الأدوار حسب رؤيتنا السياسية، ولكن يبقى معظم الشعب السوداني في مقعد المتفرج، لا يعنيه إن نجح توم في التهام جيري.. أو أفلت الأخير..!!