أتابع بشغف «سطرك الجديد» وتوقفت بإمتاع مع عمود لك قبل بضعة شهور بعنوان «من طرائف الاحتيال»، تعرضت فيه للجديد في فنون الاحتيال.. إليك وللقراء الكرام ضرب جديد من ضروب الاحتيال لعله ما خطر على عقل بشر باستثناء صاحبه: قبل أكثر من أسبوعين وأنا أقود عربتي المتهالكة في الشوارع الجانبية المسفلتة من مدينة أم درمان، استوقفني رجل «ود بلد» أبيض اللون يجلس على مقود عربة كريسيدا بيضاء اللون لعلها من موديلات التسعينيات، وإلى جانبه زوجته وأطفاله في المقعد الخلفي وكلهم يشابهونه في اللون. وقبل أن أتوقف قلت في سري لعل الرجل «قاطع بنزين»، أو ربما أصاب عربته عطب ميكانيكي يستدعي استنجاده بي. ولم أتردد في الوقوف، ولعل كل من كان في موقفي يفعل نفس الشيء بحكم موروث سوداني متأصل فينا. بعد أن بادرني الرجل بالسلام قال الرجل: «والله يا ابن العم أنا محرج.. جيت بعربيتي دي من مدني وحصل لي حادث.. أنفقت كل ما معي في تصليح العربة.. أنا متأسف جداً ولكن كل ما احتاج له حق البنزين لي مدني وحق فطور للمرة والأولاد ديل». حقيقة كان هذا آخر ما أتوقعه، ورحت أتمتم بالكلمات وفي آخر الأمر أسعفتني بضع جنيهات كانت هي آخر ما في جيبي، أخذها الرجل وأدار عربته وانصرف شاكراً. وبعد انصرافه راحت الهواجس تلعب برأسي واستعدت عقلانية تفكيري التي شلها الرجل، ورحت أحاول تدبر المنطق في طلب الرجل وسؤاله. إذا فرضنا أن هذا الرجل لا يملك أي أقارب أو معارف بالعاصمة، فهل يعدم مبلغ خمسين قرشاً لإجراء اتصال مع مدني ليرسلوا له حتى رصيداً تلفونياً يبيعه في أقرب محل اتصالات ليفك ضائقته؟! آخر الأمر احتسبت ما قدمته للرجل صدقة، والله وحده يعلم خبايا النفوس. قبل بضعة أيام فاجأني صديق وهو يحكي عن نفس التجربة، وكان قد تعرض لها في أحد الشوارع الطرفية المسفلتة من مدينة بحري.. عن نفس الرجل الأحمر «ود البلد».. عن نفس الزوجة .. عن نفس الأطفال.. عن نفس العذر.. عن نفس الطلب.. عن نفس الكريسيدا البيضاء..!! ما قولك يا صديقي في هذا الإبداع؟! لقد تغيرت «عدة الشغل» من الروشتات البالية وصور الأشعة وبخاخات الأزمة إلى كريسيدا بيضاء موديل التسعينيات وزوجة أيضاً بيضاء وكوم شفع في الكنبة الخلفية..!! إبراهيم الطيب إسماعيل موظف بالمعاش يقود كريسيدا متهالكة بيضاء من غير سوء