أم درمان هي ذاكرة الوطن ووجهه الحضاري ولونه الأجمل. لم تكن أم درمان يوماً، دعوة لعشائرية، أو مصدراً لجهوية أو حكراً لفئة دون أخرى، بل هي سودان مصغر يجسد التسامح والتنوع والاشعاع الفكري والحضاري، والذين يصورون أم درمان مصدراً للاستعلاء الثقافي والطبقي يظلمون هذه المدينة. ويكفي ان حي المسالمة بأم درمان يجمع المسلمين بالأقباط في تسامح فريد ان الأمم والشعوب تحتفي بمدنها التاريخية وتنظر لها بعين الرضا. ان اهمال مدينة أم درمان وآثارها وحضارتها وشوارعها ونيلها وازقتها الضيقة التي يمكن أن تكون متاحف على الطبيعة، ليس من المصلحة الوطنية، ولهذا كنت من أوائل المنتقدين للاهمال الذي يحيط بالمدينة وانتقدت محاولات التشويه التي تطال المدينة بدعاوى تحديثها وقلت ان الحفاظ على طابع أم درمان التاريخي من الاهمية بمكان وتصديت لمحاولة طمس وتشويه المدينة. الآن هناك بارقة أمل في نفض الغبار عن هذه المدينة وقد جلست لمعتمد أم درمان الشيخ أبو كساوي وقدم لي خطته لتطوير المدينة، وقال انها ترتكز على ثلاثة محاور، النظافة والتشجير والانارة وقد بدأ في تطبيق ذلك المخطط، وأتمنى من والي الخرطوم أن يساهم في تمويل هذا المخطط، وكما نعلم فان التمويل يمثل حجر عثرة في سبيل تنفيذ كثير من المشروعات ولأن الجهد الرسمي وحده لا يحقق التطور المنشود للمدينة، فانني انظر للجهود الاهلية بكثير من الأمل والاهتمام وأم درمان مدينة رائدة في هذا المجال وكثير من المشروعات التي انجزت فيها كانت بعون أهلي مثل المدارس الاهلية والجامعة الاهلية وبعض المستشفيات، ولهذا فان الجهد الاهلي هو رأس الرمح في تطوير المدينة. الأيام الماضية نفذ مشروع صغير في شكله كبير في معناه قادته الدكتورة بخيتة أمين (بت أم درمان) مع زوجها الدكتور ابراهيم دقش حيث جمعوا أهل الشارع الذين يسكنون به، واتفقوا على تطوير الشارع بحي ود البنا العريق وجعله شارعا نموذجيا في الانارة والتشجير وقبل ذلك النظافة وفي أيام قليلة انجز المشروع الأهلي الطموح واشترت بخيتة أمين لافتة من حر مالها وكتبت عليها (شارع بيتنا) وعلقتها في واجهة الشارع وتمت دعوة معتمد أم درمان أبو كساوي للوقوف على هذا الانجاز فبارك الفكرة ودعمها ببعض الأشجار والأفكار التي لها سيقان مثل الأشجار. استأذنت الدكتورة بخيتة أمين في تنفيذ الفكرة في شارعنا بحي القلعة بأم درمان وقلت لها ولكني سأكتب في اللافتة رائعة أبو صلاح: يا بدور القلعة وجوهرا اخفي ريدك مرة واجهرا نار غرامك ربك يقهرا