حينما امتنع الجيش المصري عن مواجهة ومصادمة الجماهير الغاضبة التي اخرجها الشعور بالظلم والغبن والتجويع،تحققت مقولة جيش واحد شعب واحد باعتبار ان ضباط وضباط صف وجنود القوات المسلحة المصرية إنما هم ابناء الشعب المصري نفسه يذودون عن تراب الوطن ويقدمون التضحيات تلو التضحيات لا لاجل مناصب في الدولة او وزارات وانما لانهم اقسموا بالكتاب العزيز على صيانة التراب وحماية البلاد وهكذا هم منسوبو القوات المسلحة في كل بلدان العالم فقلما تجد بلداً يتراجع فيه الجيش ويتقاعس عن أداء دوره او يرتضي الإرتهان لاحد من الناس او لحزب من الاحزاب . الاسبوع الماضي شهد الجيش السوداني لقاءات جمعت بين رئيس الجمهورية القائد الاعلى للجيش وكبار ضباط الجيش ثم الرتب التالية كل على حدة ومن الواضح ان لقاء البشير مع رجال القوات المسلحة يجئ على خلفية الاحداث الجسيمة التي تجتاح دول المنطقة والاقليم والتطورات المتسارعة التي تمر بها القوات المسلحة المصرية ،فالجيش هناك ضرب مثلاً رائعاً في الانحياز الى الشعب المصري الذي خرج غاضباً على رئيس الجمهورية المصرية واحد اكبر ضباط الجيش المصري وصاحب تاريخ عسكري مشرف في حرب اكتوبر التي تماثل معركة كرري عندنا ، نعم لم يشفع التاريخ العسكري المشرف للرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك في ان ينحاز الجيش اليه ضد الجماهير بل حدث العكس ،انحازت القوات المسلحة للشعب دون ان تترك مهمة حماية حياة الرئيس لاحد من الناس وهذا هو الوفاء في ادبيات المؤسسة العسكرية . لقد قرر الجيش إسناد الجماهير وهكذا شاهد الملايين عبر الفضائيات كيف امتطى نفر من ابناء الشعب من ( الملكية ) الدبابات والمجنزرات وهتفوا بحياة الجيش المصري في الوقت الذي كانت فيه عصابات البلطجية المأجورة واجهزة امن النظام المصري السرية تعد في الخفاء لمعركة ( الجمال والحصين ) ضد جموع الشعب المصري المعتصمة بميدان التحرير ، كانوا يعدون في الخفاء مؤامرة قمع الشعب وحماية مصالحهم الخاصة واستمرارها دون ادنى إكتراث للجيش المصري الذي نزل الى الشارع لحماية الشعب والمواقع الاستراتيجية المصرية ، لقد هزمت الجماهير شياطين الجمال والبغال والحصين وفشلت محاولة البلطجية واللصوص اسناد النظام المصري البائس وفشلت محاولات الرئيس المخلوع تخويف الجماهير بعبارات ( نرفض كذا وسنفعل كذا ) لقد انتهى كل شئ في ايام معدودات مصداقاً لقوله تعالى ( واذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ) صدق الله العظيم وكذب الطغاة والمتجبرون . ومما لا شك فيه ان السودان يتأثر بما يدور حوله من ثورات في دول الجوار فمن غير المعقول ان تحدث خلال ايام متقاربة ثورتان عظيمتان تطيحان بنظامين كانا باطشين وقويين بمقاييس اهل السلطان حيث الاستئثار بالسلطة كلها والمال كله واعداد اجهزة الامن والشرطة والقمع لحماية الفساد ثم لا يحدث حراك في اوساط مؤسسات الشعب الحية لتحليل ما حصل والتبصر في المسيرة وما يمكن ان تخفيه الايام بين طياتها ولذلك جاءت اللقاءات المذكورة ليعرف الجميع مواقع اقدامهم والادوار التي تنتظرهم خاصة وان العالم اضحى بفضل الفضائيات قرية صغيرة يجتمع اهلها على رأس كل ساعة امام شاشات التلفاز ليتابعوا اخبار الاخيار والاشرار على حد سواء، والقناعة السائدة لدى الجميع بالطبع ان الشعوب المظلومة المقهورة قطعاً ستنتصر على انظمتها القمعية مهما كثرت التهديدات وبسقوط نظامي تونس ومصر ينتظر الناس ان تكر المسبحة ليسقط النظام الليبي والبقية تأتي بإذن الله.