ثمانية أيام فقط تفصل 650 ألف من الناخبين بولاية جنوب كردفان التوجه نحو صناديق الاقتراع لإختيار أعضاء المجلس التشريعي ووالي الولاية ، وعلى الأرض ومنذ بداية الحملات الإنتخابية في الرابع من هذا الشهر اشتد التنافس بين المرشحين خاصة على منصب الوالي، ووجد الثنائي مولانا أحمد هارون مرشح المؤتمر الوطني ،والفريق عبد العزيز آدم الحلو مرشح الحركة الشعبية الفرصة كافية لمخاطبة المواطنين وطرح برنامجي حزبيهما ،غير أن المرشح الثالث الجنرال تلفون كوكو حرم من هذا الحق بداعي وجوده بمعتقل بلفام بجوبا ،وينوب عنه مناصروه في التبشير ببرنامجه الإنتخابي ،في حالة نادرة لم تشهدها الإنتخابات السودانية من قبل ،ليثير هذا التساؤلات أين تلفون ،وماهي حظوظه في الفوز ومتى سيطلق سراحه.؟بل ماهي قصته ؟ (أزمة ولاية جنوب كردفان ناتجة عن اخفاقات بروتوكول جبال النوبة، ومن دون مراجعته فستظل الولاية مأزومة حتى لو عين لها عبد العزيز الحلو سيفشل ،او تلفون كوكو فهو ايضا سيفشل طالما ان البروتوكول لم يراجع) (صحيفة رأي الشعب 23/3/2009) ،هذا جزء يسير من كثير خطه يراع الجنرال تلفون كوكو ابوجلحة في عدد من الصحف القومية قبل سنوات ،وجهر برأيه في عدد من المنابر قادحا في إتفاقية السلام الشامل خاصة فيما يتعلق ببروتوكول جبال النوبة ،معتبرا أن ماجاء فيه دون مستوى الطموحات ولم يلبِ أشواق وطموحات مواطني جنوب كردفان ،ونجح كوكو وقتها بخطابه الواضح في إستمالة الكثير من أبناء الجبال الذين كانوا يشاطرونه الرأي ،بما فيهم رئيس المجلس التشريعي بالولاية والقيادي البارز إبراهيم بلندية الذي اعترف في حوار نشر سابقاً (بالصحافة) بأن الإتفاقية لم تلب الطموحات ،وأرجع الامر الى تغييب أبناء الجبال عن المفاوضات التي جرت بنيفاسا قبل ست سنوات ،وبحسب مراقبين ولأن الحركة الشعبية مثل غيرها من الحركات المسلحة كانت خارجة لتوها من حرب دامت لعقدين ويزيد من الزمان ولم تفارقها روح الثورية ،ولم تتهيأ وقتها لتقبل الرأي الآخر ضاقت زرعا بما يجهر به تلفون كوكو ،فقامت في الأسبوع الاول من شهر أبريل من العام الماضي بإعتقال تلفون كوكو ،وهو ذات الشهر من العام الحالي الذي تفاجأت فيه الحركة بترشح المتهم بتحريض ابناء الجبال في صفوف الحركة بالتمرد ،لمنصب والي ولاية جنوب كردفان ،ومابين إعتقاله وترشحه جرت كثير من المياه تحت الجسر ،حيث اسهم وضع الرجل في غياهب سجن بلفام الذي يقع شمال مطار جوبا وبالقرب من قيادة إستخبارات الحركة الشعبية في إزدياد شعبية الرجل وسط أبناء الجبال معيدا لهم ذكرى القائدين يوسف كوة وفليب غبوش. ينحدر تلفون كوكو من منطقة (برام) التي تقع بالريف الجنوبي لمدينة كادوقلي وينتسب الى قبيلة توبو أبا واما ، ، عمل بعد تخرجه في معهد طلحه الزراعي بوزارة الزراعة بمدينة بابنوسة ثم تدرج حتى أصبح خبيراً زراعياً بمؤسسة جبال النوبة الزراعية الأمر الذي أهله للعمل في إدارة صيانة التربة واستثمار الأراضي وبرمجة المياه للمشاريع وذلك في الفترة من 1978 وحتى 1983م،ودلف إلى ميدان العمل السياسي مبكرا وذلك عندما انضم لتنظيم الكمولو السياسي السري الذي كان يعتبر حينذاك المتنفس الوحيد للمثقفين من أبناء جبال النوبة ،وأنضم لصفوف الحركة الشعبية في منتصف العقد قبل الماضي بجانب عدد من قيادات الجبال أمثال عوض الكريم كوكو وصالح إلياس ويوسف كوة،وظل مقاتلا في صفوف الحركة ،بل من أبرز قياداتها الميدانية ،وكان شخصية محبوبة للقائد جون قرنق والذي قال عنه لبعض المقربين في منتصف العقد الماضي ( لو وجدت عشرة رجال من أمثال تلفون كوكو لحكمت كل السودان)، وكان يناديه بلقب مولانا واختاره كراعي للمجلس الإسلامي لجنوب السودان التابع للحركة الشعبية ،وكذلك اختاره لأن يكون رئيساً لهيئة الإمداد الحربي المسئولة عن الاستثمارات المختلفة الزراعية وغيرها والتي تساهم في الدعم الحربي لقوات الحركة الشعبية وكانت لأمانته وعفته دور كبير في أن يحوز على ثقة قائده جون قرنق ويختاره لذلك النوع من الإدارات العسكرية والمهام ،وما يحسب لتلفون أنه لم يفكر قط في خيانة قائده الدكتور جون قرنق أو الانقلاب عليه ،ليظل تلفون هو الرجل والقائد الذي بادل القائد جون قرنق الاحترام والود الصادق والوفاء ،وكان قرنق يحترم له اعتناقه الإسلام وتدينه الظاهر وكان قرنق يحب أن ينادي تلفون بكلمة يا مولانا كثيراً وأحياناً يناديه باسم الإمام الهادي تيمناً بالشهيد الإمام الهادي ،وكان كثيراً ما يدعوه لقراءة آيات من القرآن الكريم في بعض الاجتماعات والمناسبات بالإضافة لما يقرأه البعض من الإنجيل مما يبين شكل العلاقة والاحترام والذي كان سائداً بين الرجلين برغم اختلاف العقيدة الدينية بينهما،وكان الفريق سلفا كير يدرك جيداً التدين الظاهر لتلفون كوكو وقناعاته الإسلامية الراسخة وبعد اتفاقية السلام الشامل عام 2005 م قام بمنح القائد تلفون كوكو منحة للحج وزيارة الأراضي المقدسة. . تلك ملامح من مشوار الرجل الذي ينافس زميله في الحركة عبد العزيز الحلو وأحمد هارون على منصب والي ولاية جنوب كردفان في إنتخابات الثاني من مايو القادم ،ويعتبر كثيرون ومنهم المحللون السياسيون الدكتور صديق تاور وأبوكلام آدم أبوكلام أن ترشيحه بعثر أوراق الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني ،وكنت قد سألت الأمين العام للحركة بجنوب كردفان في حوار سابق عن تأثير ترشيح تلفون على الحركة فأكد أنه لن يكون خصما عليهم ،واستشفيت من إجابته وتعابير وجهه تبرماً واضحاً من خطوة كوكو التي قال عنها مستشار رئيس الحركة الشعبية بالولاية قمر دلمان في تصريح سابق أن اللواء تلفون كوكو مازال ضابطا في الجيش الشعبي ( أحد القوات النظامية وفق الاتفاقية)،ولم يقدم استقالته،وأن استقالته لن تتم قبل انتهاء قضيته،معتبرا ترشيحه تمادي من اللجنة العليا للانتخابات في مخالفة القانون ،واتهم المؤتمر الوطني بتخطيط وتمويل ترشيح تلفون كوكو،وأكد حصول الحركة الشعبية على وثائق تثبت تورط المؤتمر الوطني في تأسيس حزب جديد يسمى (جاد الديمقراطي) يضم في عضويته المفصولين من الحركة الشعبية الغرض من تأسيسه وفق الوثائق تشويش صورة الحركة الشعبية وعرقلة نشاطها السياسي بالولاية وتقديم مرشحين من النوبة على كافة المستويات لمنافستها. غير أن وكيل المرشح تلفون كوكو ، عمر منصور نفى هذه الإتهامات من خلال تدشين حملة المرشح تلفون منتصف الاسبوع الماضي بكادوقلي ،وأشار الى أن برنامجهم الإنتخابي يهدف لتفعيل وتطوير قيم وكرامة الإنسان والحريات العامة بما يكفي لإزالة الغبن والكبت النفسي الذي تراكم بسبب الحرب وذلك لإعادة التوازن وقيم التصالح والتعايش الاجتماعي،واشار منصور الى أن البرنامج ينادي بضرورة زيادة معايير الضبط الإداري ومحاسبة وردع المفسدين إداريا وقانونيا ، بالاضافة للعمل على إعادة جميع المؤسسات والمشروعات الخدمية التي ضربتها يد الإهمال خلال السنوات الماضية ، وقال « إن كان مرشحنا قد دشن حملته كآخر المدشنين فإننا نعدكم ونعاهدكم بأنه لن يكون آخرهم في نهاية السباق الانتخابي ، وسيظل تلفون كعهده مشغولا بكم لا مشغولا عنكم « ، وأضاف « ان ضيق ذات اليد حالت دون وصولنا لكل مناطق الولاية ومواطنيها ، لكن ثقتنا أن أصواتكم الغالية هي الأخرى لن تهدرونها إلاّ من اجل شخص من معدن غال ونفيس «. ويقول فؤاد حماد مقرر اللجنة القومية لدعم ومناصرة كوكو إن المضايقات التي ظلوا يتعرضون لها من جهات لم يسمها منذ بداية حملة ترشيح كوكو تؤكد شعور البعض بخطورة تلفون ،وأشار الى أن مناصري الجنرال من كل انحاء الولاية، ورغم الترهيب الذي يتعرضون له سيصوتون له، وكان القيادي بلجنة دعم كوكو آدم اسماعيل الاحيمر قد أشار الى ان خطوات السعي لإطلاق سراح تلفون كوكو تمضي بوتيرة متسارعة وان اللجنة المكلفة بهذا الملف قامت بمقابلة المبعوث الامريكي ليمان ودفعت بمذكرات الى الاممالمتحدة ورئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب وتتجه لرفع مذكرة الى محكمة الجنايات الدولية وذلك من أجل إطلاق سراح تلفون كوكو. وكان مراقبون ومحللون قد أكدوا ان حظوظ تلفون لاتقل عن هارون والحلو ،واستندوا على جملة من المعطيات أبرزها أن هنالك عدداً من المناطق بجنوب كردفان تعتبر حكرا على تلفون كوكو مثل الريف الجنوبى والجبال الغربية (مناطق الاجانق) وأن له نفوذ كبير فى غرب كردفان والجبال الشرقية. واشاروا الى أن الترهيب الذى مورس على ممثلى حملة ترشح تلفون كوكو ادى الى نتائج عكسية واوجد له مزيدا من المؤيدين ,. ويلمحون الى أن هنالك دعماً خفياً من القائدين (دانيال كودى/ خميس جلاب) لتلفون كوكو ،وأن هذا الدعم له مابعده.