كل من يعرف طبيعة الشعب الامريكى وطبيعة النظام السياسى القائم ليس بمظهره الخارجى وانما بدواخله، اعتبر انتخاب أسود لرئاسة امريكا مقدمة لقيام امريكا باعمال قذرة فى العالم الثالث، سيقوم بتنفيذها هذا الاسود، فنفسية المواطن الابيض لم تصل بعد لقبول اسود رئيسا للجمهورية، فالاسود مازال مرفوضا حتى رئيس عمل من جانب البيض دعك عن رئيس جمهورية، واذكر ان احدى النساء من البيض كانت تبدى امتعاضها دائما من اوامر رئيسنا فى العمل الاسود التى كان يصدرها، وكانت تردد «إننى أكره ان يأمرنى ذو الانف الكبيرة هذا». وفى نيويورك عندما سكن سودانيون فى شقة فى حى يسكنه بيض «من أصل ايطالى وهؤلاء اكثر البيض تطرفا» جاء اليهم الجيران واعطوهم انذار لمدة «24» ساعة ليرحلوا، والا سيحرقون الشقة بمن فيها. وفى البريد حيث أعمل كانت هناك كافتريا للبيض واخرى للسود، ولم يتم هذا التقسيم بصورة رسمية ولكن بالتراضى. وهذا يشير إلى توافق المجتمع الامريكى على التفرقة الرضائية مع رفضه للتفرقة بصورة رسمية، وكان مثيرا للتساؤل انتخاب امريكى اسود فى هذا المحيط المتلاطم من العنصرية. ان الانتخابات الامريكية برغم هالة الحرية التى تحيط بها فإنها انتخابات مطبوخة، ولكن ليس كطبخة حكام العالم الثالث التى تفوح منها رائحة التزوير، ولكنها طباخة مسبكة سبكتها ايدٍ خبيرة وفنانة فى هذا النوع، وهى مؤسسات قوية وذات باع طويل مثل «سى .آى. ايه» و «إف. بى.آى» وشركات البترول والبنتاجون وشركات الاعلام الكبرى التى يسيطر عليها اليهود، فهى التى تختار الرئيس وبمواصفات معينة، وهى التى تضفى عليه هالة مضيئة والصفات الجميلة التى يحبها الشعب الامريكى، وتقدمه باعتباره منقذاً كما قدمت بوش منقذاً من الارهاب واوباما منقذا للاقتصاد، وتسلط عليه الإعلام الذى يضخمه. والاسود بحكم وضعه الاجتماعى هو عجينة طيعة فى يد صانعيه، فهو بصفته رئيس عمل مطية لرؤسائه البيض، وقد خبرت ذلك، وحتى السود أنفسهم يطلقون عليه كلمة « هاوس نيقر» وهى كانت تعنى فى زمن العبودية الأسود الذى يخبر عن اخوانه فى الحقول، فيكافئه السيد الابيض بالعمل فى منزله، حيث التدفئة والاكل الجيد. والرئيس الاسود فى العمل يستخدم ليكون سوط عذاب على اخوانه السود. وعندما يلجأ الاسود المرؤوس المظلوم للرئيس الابيض يرحمه، وهكذا يتم تشويه السود، وهى حرب خفية بين الجنسين يستخدم فيها الابيض الاسود ليشوه صورته بنفسه، وهناك دائما سود مستعدون للقيام بهذا الدور القذر. وهكذا عندما تم تلميع أوباما فى انتخابات الرئاسة أوجس البعض خيفة، بأن هناك دورا محسوبا سيقوم به، وهو رجل تتوافر فيه كل أسباب الضعف فى المجتمع الامريكى، لتجعله مطية فى ايدى مراكز القوى، فهو أسود من اب افريقى وام بيضاء، فهو غير مقبول فى مجتمع البيض بحكم نصفه الاسود، وغير مقبول فى مجتمع السود بحكم نصفه الابيض، وهو مرفوض من البيض والسود بحكم نصفه الاجنبى فالامريكى لايرحب بالاجنبى، وفى الاجانب هو افريقى، والافريقى الاسود هو اقل انواع السود قدرا فى المجتمع الامريكى، ووالده مسلم وهو متهم بانه مسلم فى الخفاء، والمسلم الآن فى امريكا موضوع فى قفص الاتهام بتهمة الارهاب. واوباما كله نقاط ضعف بمقاييس المجتمع الامريكى، مما يؤهله ليكون أرجوازا فى ايدى صناع السياسة فى امريكا، يسخرونه لخدمة الاغراض التى من اجلها انتخب، ثم يقذف به بعيدا بعد أن يتم تحطيمه بتهمة اخلاقية أو غيرها، فتكون مراكز القوة قد حققت ما تريده منه، وهو محسوب على المسلمين والسود والافارقة لتلاحقه لعنات العالم وتلاحق جنسه. ونلاحظ أن الافارقة والمسلمين والسود كانوا من الفرحين بتنصيب اوباما رئيسا، ولم يستثن من ذلك حتى الانقاذيين الذين صرح متحدث منهم بأن اوباما سيكون اكثر فهما للسودان لاصوله الافريقية، وفات عليهم ان الرئيس الامريكى تحكمه مؤسسات ومراكز قوى لا يستطيع ان يحيد عنها مهما كانت قناعاته الشخصية اوميوله العاطفية. لقد بدأ اوباما الآن تنفيذ بعض هذه المهام التى جندتها له مراكز القوى، فموقفه من ليبيا واليمن وسوريا وعدم الحسم وترك المسلم العربى يذبح اخيه المسلم العربى، هى احدى هذه المهام، والطريقة التى اغتيل بها ابن لادن والقاء جثمانه فى البحر هى مهمة اخرى، فالتمثيل بجثة ميت عملية تعافها كل نفس بشرية. وكما أوردت الروايات فقد شهدت ابنته بأن أبيها قتل بعد القبض عليه. وأفادت القوة التى نفذت الاقتحام بأن الاوامر كانت القتل وليس القبض. وأسامة مهما فعل فمن حقه قانوناً ان يقدم لمحاكمة عادلة، وهذا أحد حقوق الإنسان التى نصبت امريكا نفسها مدافعة عنها. وقد سبق أن تم انتهاك هذه الحقوق ايضا فى غوانتانمو بالقبض والتعذيب للمسلمين، مما افقد امريكا مصداقيتها. والطريقة التى اغتيل بها اسامة والتمثيل بجثته حتى عجزت امريكا عن نشر صوره ستكون مصدر ادانة لهذا التصرف اللاانسانى. وقد كان بيان الأزهر الشريف شجاعا عندما انتقد قذف جثة أسامة فى البحر، وقال إن المسلم له طريقة يكفن ويدفن بها حسب ديانته، كما أن هناك اصواتاً عديدة داخل امريكا أصبحت تطالب بإبراز صور مقتل بن لادن لتأكيد مقتله. اما أسامة بن لادن فتاريخه يشير الى انه كان من حلفاء امريكا فى حربه على الروس فى افغانستان، وقد كان يقود المجاهدين الافغان، وقد شاهدت فى اواخر الثمانينيات مكتب دعم المجاهدين الافغان فى قلب نيويورك وفى شارع اطلانتك، وكان معروفا ان ال «إف. بى. آى» تدرب رفاق بن لادن فى غابة فى ريف نيويورك، ولكن بعد هزيمة السوفيت وانتهاء الحرب الباردة وتهميش امريكا لبن لادن، تصور بن لادن انه يمكنه ان يهزم امريكا، وصدق انه هزم روسيا بقوته، فكانت ضربة مركز التجارة الدولى التى اشك كثيرا انه مدبرها. وقد يكون نفذها بمساعدة ايادٍ خفية لم يكن يدرى كنهها، فالمتأمل في ما افرزته الضربة يعرف تماما من وراءها ومن المستفيد منها، فقد اضرت هذه الضربة بالاسلام كثيرا ضررا لم يستطع كل اعداء الاسلام تحقيقه، فقد مثل الاسلام فى التسعينيات خطرا حقيقيا للغرب، فقد انتشر فى العالم الغربى بصورة اخافت الكنيسة، ففى الجامع الذى كنا نصلى فيه فى نيويورك كان يدخل الاسلام كل جمعة حوالى ثلاثة امريكان، وكان الاسلام بمبادئه السامية وروحانياته العالية التى يتوق اليها الامريكان، يمثل عامل جذب كبير. وقد رأى تأثيره الامريكان على المجرمين فى السجون الذين يخرجون بعد اعتناق الاسلام فى داخل السجن، وقد تغيروا من النقيض للنقيض، وكان إمامنا فى جامع أبو بكر فى قرينز بورو الإمام جمال الذى يحكى عن نفسه بأنه كان متردد سجون، وكان من إسوأ الناس، وقد تغير بعد اعتناقه الاسلام، بل اصبح داعية اسلامية، واصبح وجهه منيرا بفضل هذا النور الذى دخل قلبه. وكانت مساجد امريكا تشهد اقبالا كبيرا من الذين يدخلون الاسلام، حتى شهدت نيويورك حدثا مجلجلا عندما تمكن المركز الاسلامى من تحويل معبد يهودى الى جامع عندما اشتراه قائد شرطة أبيض مسلم، وسلمه للمركز الاسلامى. وقد انفجر اليهود غضبا عندما علموا بذلك، وحاولوا استرداده بدفع مبالغ طائلة ففشلوا، وقد رأيت فيلما وثائقيا يتحدث عن تأثير الاسلام في السجون الامريكية وسلوك المسلمين المثالى، واشادت به قيادات السجون. ويشهد شارع فولتون فى بروكلين على تأثير الاسلام، فهذا الشارع الذى كان من اشهر الشوارع فى تجارة المخدرات والدعارة، تم تنظيفه تماما بعد اقامة جامع فولتون فى احدى النواصى، وقاد الامام سراج حملة بنفسه ضد المخدرات، ودخل المئات من سكان الشارع الاسلام، فتغيرت المنطقة باكملها، واصبح شارعا تجاريا مشهورا وخاليا من الدعارة والمخدرات بفضل الاسلام. وجاء أسامة بضربته التى تبناها واغتالت الآلاف من الابرياء بدون ذنب جنوه، فاذت هذه الضربة الاسلام وشوهت صورته اللامعة، وجعلت المسلمين متهمين وفى الكورنر مراقبة كل تصرفاتهم، وتتم محاصرتهم وتفتيشهم فى المطارات، وتم حرمان طلابهم من الدراسة فى الكليات عالية التقنية، ونظرات الاتهام تلاحقهم فى كل مكان، وقد اضر أسامة كثيرا بسمعة المسلمين، فقتل أبرياء بدون ذنب وهم ليسوا طرفاً فى القضية سلوك غير مقبول، والاختباء بعد الحادث ليس سلوك الشجعان، كما ان القبض على بن لادن وهو يسكن فى فيلا ثمنها مليون دولار ويعيش مع زوجة عمرها اقل من ثلاثين عاماً، بينما يرسل الشباب ليفجروا أنفسهم، فيه الكثير من التناقض. إن بن لادن الذى جعلت منه امريكا مشكلتها الاولى وهو حي، فى طريقه الآن ليكون مشكلتها ايضا فى مماته، فقد أدانت جهات كثيرة الطريقة التى قُتل بها بن لادن، والقاء جثته فى البحر استفز اغلب المسلمين حتى غير المتعاطفين معه، فهو على كل حال مسلم كان ينبغى ان تدفن جثته وفق الطقوس الاسلامية. وورطة امريكا فى هذه الهبة التى اجتاحت العالم الاسلامى للطريقة الاستفزازية التى تتبناها امريكا فى التعامل مع المسلمين، وستفرز مزيدا من الارهاب، وقد انطلقت تهديدات القاعدة التى وعدت بالانتقام، وغير معروف اين ستكون الضربة، وكما يقول المثل السودانى «قتلوك ولا جوك جوك». ولا بد أن يكون الانتقام فى حجم اغتيال زعيم المنظمة والتمثيل بجثته، وهذه أكبر مشكلة لأوباما الذي أعاد الخوف للمواطن الامريكي الحساس دائماً من ناحية أمنه. ٭ قاض سابق.