في بداية هذا المقال نصيحتي للذين يهتمون بعلوم الآثار والمسؤولين عنها الا يقرأوا هذا الموضوع خوفا عليهم من الصدمة او ان يصعقوا من هول هذه المفاجأة والفاجعة التاريخية. هذا المقال كتمته في دواخلي لمدة اربعين «40» عاما لم اخرجه للناس طوال هذه المدة ولم يرتاح لي بال حتى انشره ليقرأه كل انسان في هذا البلد الذي يزخر بالحضارات والتاريخ العريق.. اكتب هذا الموضوع وأشهد الله ان كل ما اكتبه حقيقة لم افتر الكذب ولم آتِ بشئ من عندي واعلم علم اليقين ان هناك آلاف الناس على قيد الحياة من هم اكبر مني عمرا في منطقة ام دم حاج أحمد يعرفون ويشهدون على كل ما اذكره ، ونبدأ حكايتنا عن العمارة والحضارة لمدرسة ام دم الثانوية بنين التي تأسست عام 1916م، في عهد الاستعمار وكانت مبنية من المواد المحلية الحطب والقش حتى عام 1958م، وفي عهد الرئيس الفريق ابراهيم عبود تم التعاقد مع المقاول جعفر قريش لبناء هذه المدرسة بالمواد الثابتة بمواصفات عالية مقابل مبلغ (19) ألف جنيه، والمباني هي عبارة عن (4) داخليات عملاقة كبيرة تسع لمئات الطلاب القادمين من كل مناطق شرق كردفان و (4) فصول كبيرة ومكتب للمعلمين ومخزن ومطبخ و (3) منازل للمعلمين ومرافق للمدرسة، وعندما حضر هذا المقاول سأل عن اقرب جبل للقرية لأنه كان ينوي البناء بالحجر وهو غالب المباني في ذلك الزمان في شمال كردفان، ودله الناس على جبل الظلطة وهو الوحيد والاقرب ويقع شرق مدينة ام دم على بعد (15) كلم ، وكانت الظلطة حتى ذلك الزمان منطقة اثرية غنية بالتماثيل والمنحوتات والرسومات والنقوش والصور الرائعة تحكي حضارة أمة قامت في هذا المكان قبل آلاف السنين ونحكي عما شاهدته بأم عيني وشاهده الكثير من الناس من قبلي وهم الآن على قيد الحياة.. كان في هذا المكان مجموعة عظيمة من التماثيل العملاقة بأشكال متنوعة ومختلفة، واذكر ان هناك تمثالا اسود كبيرا يمسك بحربة او رمح وعندما كنا نسأل عنه من هم اكبر منا يقولون إن هذا اسمه العبد ابو ظبطة الكتل الظلطة ، وهناك تماثيل عديدة يقولون هي لناس كانوا من الصالحين وتحولوا الى حجارة وهذا الكلام طبعا غير صحيح والذي يقال هو من كلام الاهالي والاساطير وجدوه عند آبائهم واجدادهم لا يعرفون علوم الآثار ولا يفقهون عن علم هذه الحضارة شيئا، وكان بالظلطة تمثال في شكل جمل به هودج ويقوده رجل في غاية الروعة والجمال في النحت والشكل وتمثال لإمرأة باركة وهي تطحن وتمسك بحجرين. وحول الجبل العديد من الاشكال في صور حيوانات ورسومات ونقوش وكتابات على جدران الحجر. وعلى حسب حداثة عمرنا كنا نخاف الاقتراب من هذه التماثيل الشامخة وهذه الصور لا تزال في الذاكرة راسخة في اذهان كل من شاهد هذه الآثار حتى اليوم. وحتى عام 1957م، كانت حضارة الظلطة موجودة بالصورة التي ذكرتها تحكي عن عظمة هذه الامة وتاريخها العريق، زار المقاول منطقة الظلطة ووقف على هذه الآثار العظيمة وتفقد المكان واصدر اوامره بإبادة هذه الآثار وعدم اهتمام الدولة في ذلك الزمان بالآثار جلب لها الدمار الشامل، كل انواع المتفجرات والديناميت ونصحه بعض الاهالي ان يذبح كرامة لأهل هذه الحضارة حتى لا تلحقهم لعنة هذه التماثيل وتم ذلك وبدأ يذبح كرامة لأهل هذه الحضارة حتى لا تلحقهم لعنة هذه التماثيل وتم ذلك وبدأ الدمار وسمع دوي الانفجارات على بعد (20) كلم وتهاوت هذه الآثار العظيمة واصبحت ركاما من الصخور..! واذكر ان احد العمال توفى في انفجار ديناميت اصابه حجر ومات آخر بضربة الشمس في هذا المكان حتى قال بعض الناس إن هذه لعنة الصالحين في هذه الظلطة واستمرت الابادة للآثار وبدأت العربات تنقل هذا الحجر لموقع المدرسة وكانت هناك عربة ماركة فورد بلون احمر وكان سائقها يقال له عبدالله دراج رجل طيب كنا نركب ونرجع معه لنشاهد ما تبقى من حضارة الظلطة، واستمر البنيان حتى عم 1959م، وتم بناء المدرسة وما تبقى من الجبل بني منه مدرسة البنات الاولية ومركز شرطة ام دم ومباني سوق المحاصيل الموجود حاليا في مبنى المحلية والآن في مكان جبل الظلطة تبقى مرتفع عالٍ به حجر كبير يقف في عزة وشموخ وصمود شاهدا على ابادة حضارة هذه الامة التي كانت هناك قبل آلاف السنين حيث لا ينفع الندم فيما انهدم وتبقى مدرسة ام دم الثانوية بنين أعظم مدرسة عرفها التاريخ واقيم واغلى مدرسة على الاطلاق في تاريخ العالم لأنها بنيت من حضارة عظيمة يساوي ثمن التمثال الواحد ألف مدرسة..!! وهذه شهادتي للتاريخ والتوضيح وتبقى مدرسة ام دم حاج أحمد الثانوية بداية لعمارة ونهاية لحضارة..!!