نقلت مصادر خاصة قريبة من حكومة الجنوب ل «الإنتباهة» بأن العميد بالجيش الإسرائيلي «شاول ريهان» الموجود بجوبا، ضمن بعثة تتبع لشركات نفطية أجنبية ومستشار حكومة الجنوب الخاص الأمريكي «روجر ونتر»، أوعزا لوالي الوحدة تعبان دينق، بضرورة طرد المهندسين والفنيين والعمال الشماليين واستبدالهم بآخرين من دول صديقة للحركة الشعبية، فيما قال د. نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية نائب رئيس المؤتمر الوطني: إن الجنوب سيكون المتضرر الأكبر من طرد الحركة الشعبية لهؤلاء المهندسين والفنيين بقطاع النفط، وقال فى برنامج «مؤتمر اذاعي» براديو أم درمان يوم الجمعة الماضي: «إن الحركة الشعبية تتخذ قرارات خطيرة بنزوات بعض قادتها الذين يرهنون إرادتهم للغير». وليس هناك أدنى شك لدينا فى الوجود الاسرائيلي والغربي فى دولة السودان الجنوبي التى سوف ترى النور فى التاسع من يوليو المقبل، ولا يخالجنا شك فى إنحياز أمريكا والغرب للدولة الوليدة، لاعتبارات عديدة لا تخفى على حد، لكن الذى يهمنا هو طريقة تفكير قيادات المؤتمر الوطني من أمثال نافع علي نافع، فالرجل لا يكترث أبدا لأصوات المدافع ولا يشم رائحة البارود، التى تملأ أجواء السودان هذه الأيام، ولا يهمه أن تحتسب القوات المسلحة اكثر من «22 شهيدا» وتفقد أكثر من 176 «ضابطا وفردا» لا يعلم حتى الآن مصيرهم، هل أصبحوا أسرى بيد الجيش الشعبي لتحرير السودان أم هم جرحى يصارعون الموت فى ظلال الأشجار والوديان على تخوم أبيي؟ ود. نافع لا يهمه كيف تتم حماية اكثر من «2170 كليومترا» هى حدود دولة السودان مع الدولة الجديدة فى الجنوب المدعومة من اسرائيل وامريكا والغرب، ولا يخشى دعم الحركة الشعبية لمتمردي دارفور، وفتح معسكرات تدريب لهم فى الجنوب، والمؤتمر الوطني الذى يمثله د. نافع ليس مهموما بتشكيل حكومة قومية نحيلة او عريضة كما قال الرجل بعظمة لسانه فى ذلك البرنامج، ولم يتفق على حكومة انتقالية مع حزب الأمة القومي، بل كل همه من الحوار هو تفكيك الاحزاب التى وصفها بالضعيفة والفاشلة، فى الانتخابات التى جرت أخيراً، واكتسحها حزبه، ووصف خطابها بشأن الشريعة «بالمربوك» ونحن نشهد أن حزب المؤتمر الوطني يطبق الشريعة السمحة تطبيقا لاغبار عليه، فقد قطعت محاكم هذه الحكومة، حكومة التوجه الحضاري أيدي عشرات المفسدين وسارقي المال العام وأودعت عشرات الوزراء وكبار المسؤولين السجون، باختصار حاكمت الأقوياء قبل الضعفاء والمسؤولون قبل العامة وليس صحيحا ما يردده الطابور الخامس من أنها تلاحق الفتيات فى الشوارع وتتحرش بهن، وتجلدهم لعدم ارتدائهن أزياء لا تتماشي مع توجهها الحضاري. والذى يعلمه الكل ان الشريعة فارقت أهل الإنقاذ منذ وقت طويل !؟ فهى كما نعلم غير مطبقة، والحديث عنها من قبل قادة المؤتمر الوطني لا يعدو أن يكون ذرا للرماد فى العيون. إذن الحوار فى فقه الحاكمين فى دولة التوجه الحضاري، ليس من أجل تشكيل أى نوع من الحكومات، قومية كانت أم عريضة أم نحيلة، الحوار هدفه فقط تفكيك المفكك وضم بعض عناصر تلك الأحزاب بعد تفكيكها الى المؤتمر الوطني ثم طردهم فى الوقت المناسب، والأمثلة أكثر من أن تحصي. وزير الدفاع الوطني سعادة الفريق الركن مهندس عبد الرحيم محمد حسين، قال فى حديث له لبرنامج «حتى تكتمل الصورة» لفضائية النيل الأزر: إنهم سوف يعيدون الجنود الجنوبيين بالقوات المسلحة الى أهلهم سالمين، وسوف يتم تسريحهم بإحسان، والحركة الشعبية ردت التحية بأحسن منها فنصبت كمينا لسريتين من الجيش السوداني على مقربة من أبيي «كشمير السودان» فأصبح «200 ضابط وضابط صف وجندي تقريباً فى عداد الشهداء والمفقودين والأسرى» ونحتسب الشهداء عند الله ونتمنى الشفاء العاجل لمن جرح منهم، والعود الحميد لمن يهيمون على وجوههم فى تلك المنطقة التى تعرضوا فيها لذلك الكمين الغادر. وكل المؤشرات تشير بوضوح: الى أن الحرب قادمة بين شطري السودان، فطرد مهندسي وعمال النفط من ولاية الوحدة، سوف يرد عليه المؤتمر الوطني بإجبار مواطني الجنوب على العودة الى حيث دولتهم الجديدة، وقد قالها د. نافع بوضوح: حينما أشار الى أنه لن تكون هناك جنسية مزدوجة، بعد التاسع من يوليو القادم «الشماليون فى الشمال والجنوبيون فى الجنوب» الى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا. وقد قالت القوات المسلحة على لسان أكثر من مسؤول رفيع فيها إنها تحتفظ بحق الرد على هجوم الجيش الشعبي الأخير على أفرادها، فى منطقة أبيي فى الزمان والمكان المناسبين، ومعلوم أن الحركة الشعبية سخرت معظم نصيبها من أموال النفط لتأهيل قواتها وشراء أحدث أنواع السلاح، ودربت عناصر عديدة ولا تزال فى اسرائيل وامريكا ودول غربية وأفريقية عديدة، وهو ما دعا باقان اموم أمين عام الحركة الى القول أكثر من مرة بأن الحرب لو اندلعت ثانية سوف تكون أشد ضراوة، لكن المؤسف فى الهجوم الأخير في اعتقادنا غياب الساسة وظهور القادة العسكريين أمام الرأى العام، فلم نسمع مثلا السيد رئيس الجمهورية المشير عمر البشير أو النائب الأول لرئيس الجمهورية رئيس حكومة الجنوب، الفريق سلفا كير ميارديت يتصديان لأحتواء هذا التطور المؤسف، بل ظهر أمام شاشات التلفاز ضباط برتب رفيعة من كل جانب، كل يدلي بدلوه، ويتوعد بشر مستطير، نعم سوف تكون أبيي البؤرة التى سوف تنطلق منها الحرب الشاملة قريبا، ما لم يتحرك العقلاء من المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، للجم هذا السعار، لكن لا أحسب أن المؤتمر الوطني أو الحركة الشعبية بقياداتهما الحالية مؤهلان لانتقال سلس وتعايش ناعم فى المرحلة المقبلة. ولا نحسب أن أصوات العقلاء فى الجانبين سوف تعلو على أصوات الصقور وتجار الحرب وضاربي طبولها، لما نشهده من تصعيد ميداني وتصريحات نارية من الطرفين، فضلا عن غياب الديمقراطية فى أروقة الكيانين، فالمؤتمر الوطني يضيق ذرعا بخصومه، تماما كما الحركة الشعبية، وهجوم جيشها الأخير على القوات المسلحة والأممية خير دليل على أنها فى واد وجيشها فى واد آخر، وهو ربما ما جعلها تقدم تبريرات وتفسيرات ضعيفة، لما حدث. وسوف يترتب على ذلك مستقبلا التالي: أولا: سوف يتوقف انتاج السودان للنفط لحين من الدهر بسبب أن أحدا لن يستطيع تأمين العاملين فى مجال النفط، وسوف يتوقف تبعا لذلك تصدير البترول «يصدر السودان حوالي نصف مليون برميل يوميا»، وسوف يتبع ذلك شح فى الوقود فى الشمال والجنوب، وسوف تعود صفوف السيارات من جديد أمام محطات الوقود، فإذا كان الشمال قادرا على استيراده من خلف البحار عبر ميناء بورتسودان فسوف يكون ذلك صعبا للدولة الجنوبية المغلقة التى لا منفذ لها على بحار العالم. ثانيا: اندلاع الحرب يعني بالدرجة الأولى أن تسخر الدولتان، جل مواردهما المالية الشحيحة، لدعم العمليات العسكرية التى سوف تكون على أكثر من صعيد. وهنا سوف تحارب الى جانب كل جهة جهات أخرى من الدولة الأخرى «متمردو دارفور الى جانب الجنوب، والمليشيات الجنوبية المتمردة الى جانب الشمال» باعتبار أن كل طرف يتهم الآخر بدعم المتمردين فى الطرف الآخر «صح هذا الامر أم لم يصح» وسوف تدعم الحركة الشعبية متمردي دارفور الذين يقول المؤتمر الوطني أن الحركة توفر لهم الآن الملاذ الامن، ومعسكرات التدريب فى الجنوب، ليوم كريهة وسداد ثغر، فيما تتهم الحركة الشعبية المؤتمر الوطني بدعم بيتر قديت وقلواك أطور المتمردين عليها. ثالثا: ارتفاع فاتورة الحرب سوف ينهك اقتصاد الدولتين «الأم والوليدة»، وهذا من شأنه أن يجعل مواطني البلدين ناقمين على تردي الأوضاع على كافة الأصعدة، وهو ما سوف يجعل اعدادا مقدرة من مواطني الجنوب خاصة فى مناطق التماس يلجأون الى الشمال فى حركة نزوح جديدة لن تعتبرها حكومة الشمال كذلك، إنما حركة لجوء باعتبارهم مواطنين أتوا من دولة معادية وفى حالة حرب معها. وقد تقود الحرب إلى اندلاع ثورة شعبية لتطيح بالنظام، لكن الحكومة وقتها لن تقبل بأية تحركات من هذا القبيل، وسوف تكرر على مسامعنا القول الشهير «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة». ومؤكد أن كل دولة سوف تحشد الحشود، وقد يعود الدفاع الشعبي ليساند القوات المسلحة، وقد نشهد من جديد ما كان يعرف فى سني الإنقاذ الأولي «بأعراس الشهيد» لكن تصريحات د. نافع التى يسفه من خلالها الاحزاب ويؤكد عدم حرص الحكومة على تشكيل حكومة واسعة، من شأنها أن تزيد من عزلة المؤتمر الوطني، ذلك أنه فى ظروف الحرب ينبغي أن تعمل الحكومة على تعزيز الوحدة الوطنية وتمتين البناء الداخلي، حتى لا تجد قواتنا المسلحة نفسها مدفوعة لوحدها فى حرب مفروضة عليها بسبب عدم حكمة القادة السياسيين. رابعا: فى ظل اندلاع الحرب بين الشمال والجنوب من جهة وبين حكومة الدولة الشمالية والجنوبية والمناوئين لهما من جهة أخري، سوف يتردي حال التعليم والصحة والزراعة والصناعة، وسوف يكون أكثر فئات المجتمع تضررا سكان المناطق الحددودية، وبالتالي سوف يصعب على سبيل المثال، على أبناء المسيرية التحرك بمواشيهم وقت الجفاف الى مناطق الدولة الوليدة، سيما إذا علمنا ان الجيش الشعبي دائم الاعتداء على تلك المواشي، وقد نهب منهم قبل فترة اكثر من «1700» رأس من الأبقار، ولأن الأمر بالنسبة لهم سوف يصبح أمر حياة أو موت، فسوف ينخرطون الى جانب القوات المسلحة دفاعا عن مصدر حياتهم «الماء والكلأ» وفى المقابل سوف ينخرط الدينكا الى جانب جيش الحركة الشعبية لإثبات أحقيتها بالمنطقة. خامسا: ستعقد أجواء الحرب جهود حكومة الشمال، لاحلال السلام فى دارفور، وسوف تجد تلك الحركات دعما غير مسبوق، ليس من دولة الجنوب فحسب بل من قوى اقليمية ودولية عديدة، يهمهما تفتيت السودان، فاسراع الحكومة في طي هذه الصفحة البائسة، من شأنه أن يجعل السودان الشمالي أكثر قوة ووحدة فى مواجهة تحديات المرحلة القادمة. سادسا: ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن وجود القوات الدولية «الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي ضرره أكبر من نفعه، فلم نر يوميا أن تلك القوات قامت بواجبها فى حماية الأمن والسلم فى مناطق وجودها، فكم من مرة طلبت تلك القوات حمايتها فى دارفور، والآن فى ابيي عدد من أفرادها تعرضوا أيضا لذات الكمين الذى نصبه جيش الحركة الشعبية لأفرادها ولأفراد القوات المسلحة بالقرب من أبيي الاسبوع الماضي، لكنها بالرغم من ذلك حاولت دفن رأسها فى الرمال، بل كادت أن تبرئ ساحة الجيش الشعبي من الاعتداء الغاشم، وفى ذلك تواطؤ واضح مع الحركة الشعبية لأسباب تعلمها البعثة الدولية جيدا، لذلك على الحكومة ألا تجدد لها، وبامكانها أن تدعو الطرفين لضبط النفس وتشجيعهما على الحوار طالما كان وجودها رمزيا، وطالما عجزت عن حماية افرادها ناهيك عن عجزها على حماية المواطنين فى تلك المناطق الملتهبة. وفى اعتقادي أن سكوتها وعدم قولها الحقيقية كاملة، بل عدم توجيهها سؤال واضح للحركة الشعبية، على غرار السؤال الذى وجهته امريكا للحركة بضرورة تقديم تفسير واضح للاعتداء على القوات المسلحة والأممية، يدل على تواطؤ مع الحركة بافتعال مثل هذا القضايا الساخنة، توطئة للطلب من مجلس الأمن التدخل فى المنطقة تحت البند السابع الذى يخول لتلك القوات استخدام القوة على كافة الأوجه، ودون حسيب أو رقيب، ويبدو أن المؤتمر الوطني بدأ يأكل الطعم. أخيرا: يبدو أن السودان مقبل على أيام عصيبة، ويبدو أن إخوان نافع يرون أنهم على قدر تلك التحديات الجسام التى تنتظرنا. ويبدو أنهم لم يسمعوا بتلك الثورات التى تطيح بالعروش من حولنا، ويظنون أنهم وحدهم قادرون على التصدي لأزمات السودان التى تأخذ الواحدة بتلابيب الأخرى، وكان الله فى عون أهل السودان الذين كتب الله عليهم أن يعانوا كثيرا من ويلات الحروب.. ونسأله أن يقيض لهم فرجاً عاجلاً مما يعانون.. إنه نعم المولى ونعم النصير والمجيب. ٭ كاتب وصحافي سوداني مقيم بقطر