تشير الإحصاءات المختلفة الى ارتفاع نسبة مشاهدة القنوات الفضائية خلال شهر رمضان الذي درجت من خلاله مختلف الفضائيات على تقديم برامج متنوعة تهدف من ورائها لجذب المشاهدين والإعلان، وتركز القنوات في المقام الأول خاصة العربية على المسلسلات التي لها جمهور مقدر من المتابعين خاصة النساء، ولضعف الإنتاج الدرامي وارتفاع تكلفة المسلسلات العربية الجديدة، تفضل القنوات الفضائية السودانية جذب المشاهد عبر البرامج الغنائية، وهو أمر كان مثار جدل خلال الفترة الماضية متمثلاً في برنامج «أغاني وأغاني» الذي تقدمه قناة النيل الأزرق، وبالرغم من تقديمها لبرامج دينية، غير أن القنوات السودانية وبشهادة عدد من الخبراء والمتابعين ظلت بعيدة عن هموم وقضايا المواطن السوداني، الذي وبحسب البعض لم يعد يهتم كثيرا ببرامج الترفيه الغنائية بداعي الضغوط الاقتصادية التي أحكمت قبضتها عليه، خاصة في هذا العام الذي شهد ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار كل السلع الغذائية، ويأخذ البعض على الفضائيات السودانية عدم استفادتها من هامش الحريات الإعلامية الذي توفر منذ 2005م الذي استفادت منه الصحف السياسية التي ظلت تتناول بجرأة قضايا حساسة تهم المواطن، مثل الفساد والمحسوبية وارتفاع الأسعار والبطالة وتراجع ادوار الزراعة والصناعة وغيرها من قضايا. وفي هذا الصدد يقول الطالب الجامعي أيمن الطيب: قنواتنا الفضائية في وادٍ والمشاهدون في وادٍ آخر، وذلك لأنها بعيدة تماماً عن نبضهم ولا تهتم كثيرا بقضاياهم، ويعتقد القائمون عليها ان المواطن السوداني ينحصر جل همه في الاستماع الى غناء الفنانين، وتتحاشى كل قنواتنا فتح ملفات تلقي من خلالها الضوء على القضايا الحقيقية التي تهم المواطن. وفي تقديري ان القنوات المصرية هي الانجح في الوطن العربي، وذلك لأنها تفرد مساحات واسعة ومقدرة للبرامج التي تلامس عصب قضايا المواطن الحقيقية، لذلك مثل غيري «ارتاح» عندما أشاهد مثل برنامج «الساعة العاشرة» الذي تقدمه الإعلامية الشاطرة منى الشاذلي، وذلك لأنه يتعرض بصورة مباشرة لقضايا المواطنين وينتقد إخفاقات المسؤولين، وذلك من أجل الإصلاح وليس تعرية النظام الحاكم كما يعتقد البعض هنا في السودان، وتؤكد أميمة حمد ابتعاد قنواتنا الفضائية عن القضايا الحقيقية، وتقول: حتى الشيوخ الذين تأتي بهم القنوات السودانية يتحاشون الحديث عن رأي الدين في الكثير من القضايا الحياتية التي تهم المواطن البسيط، ويكررون أحاديث باتت محفوظة حتى للصغار، وبصفة عامه أقول إن الفضائيات السودانية تعتقد ان الغناء هو الأهم، وهذا قصور كبير في التفكير أو خوف من إفراد برامج قوية تتيح من خلالها الفرصة للمواطن ليعبر عما يجيش بدواخله من غضب وسخط إزاء الأوضاع المعيشية. وكانت قناة «قوون» المتخصصة في الرياضة والمنوعات، وفي خطوة وصفت بالجريئة وغير المسبوقة قدمت أمس الأول عبر برنامج «زاوية مشاترة» جيد الإعداد والإخراج بشهادة الكثيرين، حلقة عن معاناة المواطن مع زيادة الأسعار. وبالرغم من أن فكرة البرنامج تقوم على نظام أفلام الكرتون، إلا ان حلقة ارتفاع الأسعار وجدت إشادة كبيرة من قبل المشاهدين. ويقول المواطن محمد عبد الله إن البرنامج ناجح وحلقة الجمعة كانت متفردة، وذلك لأنها تناولت قضية تتحاشى كل القنوات الفضائية السودانية الحديث عنها، معتبرا إقدام قناة «قوون» على مثل هذه البرامج يؤكد احترامها للمشاهد وإحساسها بمعاناته، متمنيا ان تحذو القنوات الاخرى حذوها، وأن تسمح السلطات بتقديم مثل هذه البرامج التي تخفف من الضغوط النفسية الملقاة على كاهل المواطن، وتشعره بأن هناك عهداً جديداً يتسم بالشفافية والحرية، وطالب القنوات الأخرى بالبحث عن القضايا التي تهم المواطن واحترامه، وليس التركيز على الغناء فقط.