٭ مدخل: فجأة ودون مقدمات أعلن فنان الطمبور المتفرد محمد النصري اعتزاله للغناء وفق الصحف الفنية خلال الأسابيع الماضية، ومحمد النصري مبدع في مجال أغاني الطمبور، وعرفته الساحة الفنية واحتل مكانته فيها، وخلق قاعدة جماهيرية من عشاق فنه لا تحدها حدود، وذلك لانه وصل الى قلوبها من خلال لونيته التي ارادها لنفسه انتقاءً للكلمات وروعة في اللحن وتنوع ألوان الغناء، واشتهر محمد النصري وذاع صيته خاصة في الحفلات الجماهيرية وعلى المسارح وصالات حفلات الافراح، حيث تواصل مده الابداعي.. عبر هذه المساحة نقف عند تجربته الغنائية مع مجموعة من شعراء أغنية الطمبور الذين ارتبط بهم فنياً. ود النصري صاحب تجربة خاصة: في البدء قال الشاعر حاتم حسن الدابي شاعر اغاني الطمبور المعروف عن تجربة محمد النصري، إنه في بداياته لم يتوفق لكنه سرعان ما خلق لنفسه أرضية ذات خصوصية غير معتادة في اغاني الطمبور، وهي الغناء الهادئ ومخرج المفردات الواضح، وهذه واحدة من مشكلات فناني الطمبور، إذ أنه كثيرا ما يعجز المستمعون عن تمييز الكلمات، أيضا محمد النصري اخترق الساحة الفنية من خلال أرقي والسقيد، وهما يتميزان أيضاً بوضوح الكلمات، وكذلك الكورس المصاحب. والنصري أيضا استطاع ان يختار قصائد وجدت صدي لدى الناس، وظل كل ألبوم له يطرحه يخطف الاضواء وأضاف جمهوراً كبيرلاغنية الطمبور، وقد سار على نهج الفنان يعقوب تاج السر الذي يتميز بذات الطريقة التي يغني بها محمد النصري، وهي تعتمد على الهدوء في الأداء والابتعاد عن صوت الطمبورالعالى الذى تضيع معه معاني الأغنية التي ينشدها الشاعر. الاعتزال قد تكون له أسباب: ويضيف الشاعر حاتم حسن الدابي في حديثه عن تجربة النصري الغنائية، أن ءغنية «مرام ما جات» كان يفترض أن يغنيها محمد النصري، إلا ان الاغنية كانت مرتبطة بزمن محدد ومناسبة معينة، ولأن النصري كان خارج الوطن فقد تغني بها الفنان جعفر السقيد الذي اعطاها البعد المطلوب، اما عن موضوع اعتزال النصري للغناء فيقول حاتم الدابي إن هذا الامر حدث كثيرا لدى بعض فناني الطمبور وغيرهم، فعلى سبيل المثال الفنان محمد كرم الله الذي ترك الغناء لمدة ثلاثين عاماً وعاد الآن للساحة مرة أخرى، أيضا البعيو اعتزل ثم عاد، وحنان النيل اعتزلت لكنها عادت وظهرت في العيد الماضي من خلال حلقة لقناة ام درمان، ولذلك فإن اعتزال محمد النصري قد يكون لاسباب وقناعات خاصة به، والوسط الفني به كثير من المسببات التي تدفع الفنان للاعتزال لا مجال لذكرها، لكنني أناشد النصري العدول عن الاعتزال والعودة لساحة الغناء التي تحتاج لصوته وابداعاته، ولنا أن نتركه لفترة من الزمن ليراجع قراره، وحتما سيعود النصري أقوى وأروع مما كان وانا واثق من ذلك. لا نستطيع أن نجبر الكنار على التغريد: ولمزيد من تسليط الضوء على تجربة ود النصرى وقرار اعتزاله الغناء، تحدثنا الى الشاعر خالد شقوري وهو من الشعراء الذين تعاونوا معه فى الكثير من الاغنيات، أشهرها أم الحسن، لا تنجع، صبرية، ود البلد، نوم العافي، غيم الوداد والشوق عذاب.. لذا فهو خير من يتناول التجربة عن قرب. يقول شقوري إن النصري أحدث نقلة في الساحة عامة، واستطاع ان يجذب جمهورا اضافيا لاغنية الطمبور من خلال نصوص والحان متزاوجة ما بين التقليد والحديث، واستطاع ان يدخل كذلك لزمات وجملا موسيقية في أغنية الطمبور، ولعل عدداً من الشعراء وجدوا ضالتهم في الحان النصرى، وهو ارتكز على تجربة طيبة جعلته يشكل رقما في الأغنية السودانية عموما، لدرجة ان أي مستمع وجد ما يريده في اغنيات النصري ما بين التراث والجذور والعاطفة المتوهجة واغانى الثورة والقضية، ويواصل شقورى في تقييمه لتجربة النصري الغنائية ويقول إن اعتزاله يمثل فقدا كبيرا للساحة الفنية، لأنه أسس لمدرسة غنائية لن تنضب بغيابه وستظل موجودة، لأنها انتقلت الى العديد من الأصوات. واعتزال النصري امر شخصي في المقام الأول، وكثير من المبدعين يعتزلون الفنون ولهم في ذلك دوافعهم واسبابهم الشخصية، غير ان النصري محتاج لمساحة لمراجعة قرار اعتزاله، فقد ظل متوهجا ونجوميته دائمة، فعلى سبيل المثال فإن النصرى يلحن في الأسبوع الواحد اكثر من عشرة نصوص، وأنا كنت متخوفاً من أن يصاب بالتخمة وهو ما حدث، والشيء اذا وصل مرحلة مثل هذه ينقلب الى الضد، وهذا الفيض في الأعمال الفنية له اثر في قرار الاعتزال، والانسان بالطبع له طاقة محددة. ويضيف شقوري قائلاً إن كل الشعراء يختارون اجمل ما لديهم للنصري، وهذا وضعه أمام تحدٍ، وقد يكون دفعه للاعتزال.. وعموما نأمل في عودته، وحتما نحن لا نستطيع ان نجبر الكنار على التغريد، ولعل المحاولات تجرى الآن لاثنائه عن قرار اعتزال الغناء، ولكن فناناً في قامة النصري عندما يعتزل يجب أن يعطى فرصة للتفكير والتأمل. وهكذا كانت تجربة محمد النصري ونبأ اعتزاله الغناء، الأمر الذى رأينا أن نقف عليه ونفرد له هذه المساحة، وهو يستحق أكثر من هذا، ولعل جماهيره العريضة هي الأخرى تنتظر قرار عودته ولسان حالنا جميعا يقول لمحمد النصرى لا تنجع و «سلوك» الطمبور تقول لك لازم ترجع.