قام منبر جنوب كردفان لبناء السلام المستدام بتنظيم ورشة عمل تحت عنوان (جنوب كردفان مأساة الحرب وقصور المعالجات)، طوال يوم السبت العاشر من ديسمبر 2011م بمركز الخاتم عدلان للإستنارة والتنمية البشرية بالخرطوم شارع57 حى العمارات. كما قدم المنبر دعوة لاجتماع يوم الاثنين السابع والعشرين من ديسمبر 2011م حول نفس الموضوع .وعقد الاجتماع بمكاتب منظمة افريقيا للعداله بالخرطوم شارع55 حى العمارات . وقد وجهت الى الدعوة ضمن عدد من ابناء جنوب كردفان للمشاركة في الفعاليتين. وحرى بي قبل الحديث عما دار في الورشة والاجتماع ان اجزل الشكر الى اعضاء منبر جنوب كردفان لبناء السلام المستدام ولرئيس المنبر اللواء(معاش) فضل الله برمه ناصر على ما قاموا به وذلك لان انشاء منبر يتيح لابناء الولاية فرص الالتقاء والنقاش والتفاكر حول همومهم ومشاكلهم وطموحاتهم عمل يستحق التقدير. والشكر موصول إلى كل من المركز و المنظمة. وقد خاطب الورشة ، من جوبا، السيد قمر دلمان الناطق الرسمي باسم الحركة الشعبية بجنوب كردفان وقال ان محاولة نزع سلاح قوات الحركه الشعبيه هى الشرارة التى أشعلت الحرب في جنوب كردفان. وان الحركه الشعبيه قد تجاوزت موضوع المشورة الشعبية. وان ما تسعي اليه هو تغيير نظام الحكم في الخرطوم. وان الحركه تريد حاليا ثلاثة امور رئيسية هى اولا توصيل المساعدات الانسانية للمحتاجين وثانيا تشكيل لجنة دولية للتحقيق في الانتهاكات وثالثاً عقد مؤتمر دستوري حول كيف يحكم السودان. واترك للقارئ الكريم التفكير في ما قاله السيد دلمان. وسوف اركز فى هذا المقال على ما دار في الورشة والاجتماع حول الحرب وكيف يمكن ايقافها. على ماذا اتفق المشاركون؟ لاحظت ان النقاش اتسم بالموضوعية والاعتدال والبعد عن الانفعال على الرغم من الاختلافات السياسية والعرقية للمشاركين فى كل من الورشة والاجتماع. ويرجع ذلك فى تقدير الى المزاج المتسامح الذى يتصف به ابناء ولاية جنوب كردفان وإلى الاحساس بأن الواقع الذى تعيشه الولاية اليوم يتطلب التكاتف والتضامن والتعاون بدل التشاحن وتبادل الاهتمامات. وقد اتفق المشاركون فى الفعاليتن حول امور كثيره اعتقد ان من اهمها فيما يتعلق بالحرب الدائره حاليا فى جنوب كردفان: اولاً ان الحرب التي اندلعت في الولاية في السادس من يوينو 2011 م قد أدت الى وضع مأساوي من حيث فقدان الأرواح والاموال والهجرة من قرى الولاية ومدنها، ولمزيد من التمزيق للنسيج الاجتماعي الهش. وثانياً إن استمرار الحرب مرفوض والمطلوب وضع نهاية لها فوراً. وثالثاً لا يتوقع على الاطلاق انتهاء الحرب عن طريق انتصار احد طرفيها انتصارا مطلقا على الطرف الاخر وانهاء وجوده ونشاطه بشكل كامل، وان الحوار هو السبيل الوحيد لوضع حد للاحتراب فى جنوب كردفان . ورابعاً إن المعضلة الكبيرة فيما يتعلق بمحاولة وضع نهاية للحرب عن طريق الحوار هي كيف يمكن من الناحية العملية الوصول الى قيادة الحركة الشعبية؟ وهل تملك تلك القيادة الحرية والقدرة على اتخاذ قرارات باستقلال تام دون الوقوع تحت تأثير حكومة جنوب السودان التى تستضيف قيادة الحركة الشعبية في جوبا، وربما تقدم لها الدعم المالي والعسكري؟ عبدالعزيز الحلو والخروج من معادلة الحل: يمكن من الناحية العملية الاتصال بقيادة الحركة الشعبية عن طريق وسيط ولكن مثل هذا الاتصال ينطوى على مخاطر التدويل وتوظيف الوسيط لدوره لخدمة اجندته هو كما برهنت على ذلك المفاوضات لانهاء الحرب في جنوب السودان، والمفاوضات لانهاء الحرب في دارفور قبل امساك دولة قطر بملف الوساطة. ولكنني اعتقد ان المشكلة الرئيسية فى محاولة وضع نهاية للحرب فى جنوب كردفان عن طريق الحوار مع عبد العزيز الحلو ورفاقه الذين يوجدون اليوم فى جوبا هى ان حكومة جنوب السودان قد لا تسمح لتلك المجموعة بأن تكون طرفا في أي اتفاق يرمى إلى إنهاء الإحتراب في جنوب كردفان؛ لأن جوبا تريد استمرار الحرب لانهاك شمال السودان اقتصادياً وعسكرياً والضغط على حكومته لاعتبارات تتعلق بحكومة جنوب السودان او تتعلق بالأطراف التى ترتبط بعلاقات سياسية وامنية مع حكومة جنوب السودان مثل دولة اسرائيل. ولهذا فإن السيد عبد العزيز الحلو قد قام بإخراج نفسه من معادلة الحل عن طريق الحوار عندما اختار اللجوء الى جوبا .ولكن هل من الممكن الوصول الى حل ووضع نهاية للحرب بدون عبد العزيز الحلو ؟ وانا شخصيا اعتقد ان ذلك ممكن ولكن في إطار محدد وانطلاقاً من قناعات محددة فى مقدمتها : اولا الاقرار بأنه لا يجوز على الاطلاق الحديث عن تجاوز الحركةالشعبية فى جنوب كردفان او محاولة اصطناع قيادات بديلة لقيادتها الحقيقية، وأعنى بتلك القيادة الحقيقية القيادة التى كانت على رأس الحركة الشعبية في جنوب كردفان عندما اجريت الانتخابات التكميلية فى مايو 2011 فقد تفوقت الحركة الشعبية على المؤتمر الوطني في تلك الانتخابات ونالت (49%) من الاصوات فى الدوائر الجغرافية، مقابل (44%) للمؤتمر الوطنى، ونالت( 47%) من الاصوات فى دوائر القوائم النسبية للأحزاب مقابل(45%) للمؤتمر الوطني، كما نالت( 47% ) من الاصوات فى دوائر النساء مقابل( 46% ) للمؤتمر الوطني. ويعطى ذلك الكسب الحركة الشعبية الحق لتطالب بأن تكون شريكا رئيسيا فى ادارة ولاية جنوب كردفان. وثانيا ان روح منتصر ومهزوم التى جرت على اساسها الانتخابات في مايو 2011م وعلى اساس شحن عاطفى اغلبه غير موضوعي وضار، قد ادت الى استقطاب عرقى صار يهدد بتمزيق النسيج الإجتماعى فى الولاية تمزيقا كاملا. ولذلك يحتاج وضع نهاية للحرب فى الولاية وتحقيق الامن والاستقرار والتنمية الى روح جديدة يكون اساسها (التوافق) بمعنى البحث عن الحلول التى تحقق الانتصار للجميع. وثالثاً يجب ان يتم استيعاب ابناء جنوب كردفان الذين كانوا فى الماضى او الحاضر اعضاء فى جيش الحركة الشعبية فى الجنوب او فى الشمال ؛يجب استيعابهم فى الحياة العامة فى شمال السودان عن طريق الدمج فى جهاز الدولة من جيش وشرطة وامن وخدمة مدنية، واتاحة فرص التعليم والسكن( منح الاراضى ) وتسهيل ولوج مجالات العمل الخاص لمن يرغب منهم فى ذلك. ومن المستحيل تصور الوصول الى امن واستقرار فى جنوب كردفان بدون ادماج تلك العناصر بطريقة مرضية لها فى الحياة العامة بشمال السودان. أين وعد عمر البشير؟ =قال رئيس الجمهورية عمر حسن احمد البشير فى خطابه امام الهيئة التشريعية القومية صباح الاربعاء الثالث عشر من يوليو 2011م( واننى اطمئن ابناء منطقتي جنوب كردفان والنيل الازرق اننا حريصون على توسيع المشاركة السياسية العادلة لهم وتمكينهم من قيادة شأنهم) وارجو ان يلاحظ القارئ وعد عمر البشير اولا بتوسيع المشاركة السياسية العادلة وثانيا تمكين ابناء ولاية جنوب كردفان من قيادة شأنهم. لم يشرك البشير ابناء الولاية فى وليمة القصر( مناصب المستشارين والمساعدين) على الرغم من انها اهدار للمال العام. كما ان عمر البشير لم يف بوعده فى تمكين ابناء الولاية من ادارة شأنهم لانه لازال متمسكا بالوالي احمد محمد هارون الذى فرضه على ابناء الولاية، وهو ليس منهم وقد وعد احمد هارون فى حملته الانتخابيه بتقطيع ولاية جنوب كردفان، ويتحدث اليوم بلغة لا يتوقع ان تؤدى الى امن واستقرار في جنوب كردفان .وقد قلت فى مقالى الذى نشر فى جريدة «الصحافة» عدد 24 يوليو 2011 انه من الاسباب الرئيسية التى ادت الى انفصال الجنوب عدم الوفاء بالعهود والاستخفاف برد فعل الأخوة في جنوب الوطن. ولهذا اعتقد ان على عمر البشير اذا كان حريصا على تماسك ما تبقى من السودان ان يفي بالوعد الذى قطعه على نفسه بدون تردد بوضع حد للحرب فى جنوب كردفان وتمكين ابناء الولاية من ادارة شأنهم بأنفسهم، كما وعد هو بذلك عن طريق: اولاً اعلان حالة الطوارئ في جنوب كردفان. ثانياً إعفاء أحمد محمد هارون و تعيين حاكم عسكري لولاية جنوب كردفان . ثالثاً ان يقوم الحاكم العسكرى بتكوين حكومة للولاية تشغل الحركة الشعبية نصف مقاعدها( 50%). رابعاً دعوة المجلس التشريعي للولاية للاجتماع على ان تتقاسم الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني رئاسة المجلس واللجان بالتساوي. خامساً إدماج عناصر جيش الحركة الشعبية بجنوب كردفان في الحياة العامة بالسودان. سادساً إجراء تحقيق عادل ونزيه في أحداث السادس من يونيو 2011م لتحديد الطرف الذى بادر بالاعتداء المسلح، والتحقيق في التجاوزات أثناء الحرب و معاقبة الجناة. سابعاً دعوة ابناء الولاية ممثلين فى احزابهم وتنظيماتهم الاخرى الى النقاش والتفاكر والاتفاق على شخص واحد من أبناء الولاية، وأفضل أن يكون من أبناء أهلنا النوبة، ليتم التصويت له فى انتخابات لمنصب والى الولاية تجرى بعد ستة شهور. وانا اعتقد ان هذه مسألة مهمة جدا لتفادى المزيد من الاستقطاب والاصطفاف العرقى والسياسي، فمن المهم جدا الاتفاق على شخص يكون على درجة عالية من الجدارة المهنية والنزاهة، ويتمتع فى نفس الوقت بروح التسامح والاعتدال، ويؤمن بحقوق كل سكان الولاية من نوبة وعرب وفلاتة وغيرهم، ويكون ولاؤه للولاية وسكانها الذين انتخبوه وليس لسلفاكير او عمر البشير، وسوف تتيح تهدئة الأوضاع في الولاية الفرصة لأبنائها للتصدي للاستقطاب والكراهية العنصرية وتوجيه طاقاتهم للمطالبة بحقوقهم كاملة، وللسلام والتنمية في الولاية .