لا أخفيكم سراً فقد انشرح قلبي وتهللت أساريري وأنا استمع إلى إعلان تشكيل الحكومة الأخير، حين سمعت نبأ تعيين الأستاذ «محمد علي الشيخ » مساعداً لمحافظ بنك السودان!! قلت في نفسي ربما أراد الله أن يبدل حالي وينتشلني من لجُج الغربة وهمومها إلى بر الأمان الإنقاذي، لم لا فكثير من الوزراء والمسؤولين سمعوا بخبر إقالتهم أو تعيينهم من الإذاعة مثل بقية خلق الله، آخرهم الوالي عبد الحميد موسى كاشا، فكان آخر من يعلم بخبر إعفائه، وكذلك خبر إعادة تعيينه والياً على ولاية شرق دارفور، المهم سرعان ما تداركت الأمر قبل أن أسرح مع «غنم إبليس» بأنني لست المعني بهذا المنصب الرفيع، فليس لي حركة اتكئ على بندقيتها، وليس لي نفوذ سياسي أو طائفي يحملني كأولاد السادة إلى القصر، وليس لي سند قبلي أو جهوي يحملني إلى المنصب على ميزان الموازنات!! الملاحظة الملفتة أن معظم من تم تعيينهم في الوزارات الأخيرة اصطحبوا معهم ذويهم وأقاربهم ومعارفهم مديرين لمكاتبهم وسائقين وحتى مراسلات..!! ولا أدري إن كانت قلة ثقة في الآخرين أم لندرة الفرص الوظيفية التي أصبحت مثل الزئبق الأحمر في بلادي. والمشكلة التي لا تنظر لها الحكومة هي العطالة، وهي بلا شك من أخطر المهددات السياسية والأمنية، فثورات الربيع العربي لم تقم بها معارضة شائخة أو جماعات مسلحة، بل قام بها شباب تدفقوا في الشوارع والميادين بمئات الآلاف ليحرروا أنفسهم من عبودية العطالة، والعوز!! وليس من العدل أن يجلس خريج سنوات يندب حظه في انتظار حلم وظيفة لا يتحقق، وبالمقابل آخر يشغل وظيفتين وأكثر، فهذا نوع من الفساد الإداري والظلم الاجتماعي الذي أصبح للأسف واقعاً مشهوداً في بلادنا. شخصية اقتصادية ظل يحمل مؤهلاته ويقدمها إلى مختلف المؤسسات بغية توظيفه بعد أن تم إعفاؤه من منصب دستوري كان يشغله في إحدى الولايات، وظل أرباب العمل يرفضون طلبه في كل الجهات والمؤسسات التي قصدها، وانفض السامر من حوله فلم يعد يزره زائر، وفجأة سمع في وسائل الإعلام إعلان تعيينه وزيراً لوزارة مرموقة مازال يشغلها حتى الآن، فتقاطر إليه أصحاب المصالح بعد إعلان تعيينه، وبعضهم يصطحب معه خروفاً لزوم المباركة حتى أصبح المكان أمام بيته مثل «الزريبة » من كثرة الخرفان.. لم يأبه للأمر كثيراً. وذات صباح عند دخوله إلى مكتبه في الوزارة وجد عدداً كبيراًمن المراجعين في انتظاره أغلبهم ممن تنكروا له في أيام البطالة والهجر، فانفجر فيهم دون أن يشعر بأي حرج قائلاً: كلكم ناس مصالح بس..أها عندكم شنو.. شهور قاعد في البيت ما في زول جاء قال السلام عليكم.. هسه جيتو عشان مصالحكم بس».! دخل مكتبة وأغلق بابه ممتعضاً ومستنكراً تقلب الناس في مواقفهم وعلاقاتهم وفق رياح المصالح الشخصية. كفانا الله وإياكم شرور الوظيفة البلا أهلية والخرفان البلا ضحية!!