* دائماً ما ننسى نحن معاشر الصحفيين أخطاءنا أو نتناساها تحت شعار «الفي إيدو القلم ما بيكتب نفسو شقي» وربما أُطلق هذا المثل الشعبي على المسئولين الذين يحملون أقلاماً «خضراء» اللون للتوقيع على التصديق ولا ينسى الواحد منهم نصيبه من الدنيا.. ومن هنا تبدأ رحلة الفساد!! وكثيراً ما يُنصِّب الصحفي نفسه «وصيَّاً» على الدولة والشعب فلا يُرِي قُراؤهْ إلَّا ما يرى ولا يهديهم إلاسبيل الرشاد «بزعمه». وليست النوايا طيبة دائماً.. كما أن المسئولين لا يرون في جميع ما يُكتب في الصحف السيَّارة إلا إنه «كلام جرايد» مع أنهم يرتعبون وترتعد فرائصهم من شيل الحال.. وبين هذ وذاك تقع الكثير من الأخطاء البشرية.. بدون قصد سئ.. مثلما بارح الرماة موقعهم فوق الجبل في موقعة أحد فانقلبت موازين المعركة وتسبب هذا الخطأ البشري في خسائر جسيمة وخرجنا من ذلك بدروس وعبر.. لكن ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار.. * وقد لاحظ علىَّ بعض القراء إنني عندما كتبت مقالاً تحت عنوان «طائرة المتعافي .. سلامة مافي!!» إنني لم أهنئ فيها د. عبد الحليم بالسلامة وكأنني كنت أتمنى أن «يروح فيها»!! وهذا خطأمني فليس بيني وبين الرجل إلَّا وافر الاحترام والتقدير وطيلة علاقتي به «لم تندفق بيننا موية» كما انني لم أطلب منه أية خدمة صغرت أم كبرت في الولاية أو الوزارة إلَّا من طلبٍ واحد بالموافقة على «نقل أستاذة» زوجة صديق لنا يحمل رتبة لواء لولاية الخرطوم ولم تفلح جهودي في تحقيق رغبة اللواء في نقل زوجته للخرطوم مع أن ذلك من الحقوق الشرعية.. وقلت عن حادثة الطائرة لمحدِّثي لو كانت «الحسنات تقي من الموت»كما كتب أحد الزملاء الكبار لكان الشهيد البروفسير الطاهر أولى بالنجاة من جميع الركاب لكن الله أعلم حيث يجعل رسالته وهو يصطفي الشهداء إصطفاءً.. وينتظر من ينتظر.. والحمد لله على السلامة يا دكتور . ولكن.. قال الشهود بأن «دوران المحركات» بعد سقوط الطائرة مزَّق جسد أحد الشهداء ومنع الآخرين من مغادرة الطائرة.. وأثار الغبار والدخان ثمَّ الحريق .. ومع أن الطائرة لم تكد تقلع حتى مالت على أحد جانبيها فأثارت شفرات المروحة الغبار والدخان والحريق.. لذلك يبدو للمراقب العادي الخطأ البشري الذي وقع فيه الطاقم بعدم إطفاء المحركات والله أعلم .. حكي لي الفريق طيار عامر الزين عن حادثة إصابة طائرته «سي ون ثيرتي» والتي كانت تقل وزير الدفاع عبد الماجد حامد خليل والقائد العام للقوات المسلحة المرحوم الفريق فتحي أحمد على .. بصاروخ سام سبعة بُعيد إقلاعها من مطار واو .. إنه أمر مساعده باطفاء المحرك رقم «أربعة» فاطفأ عن طريق الخطأ المحرك رقم «إثنين» وعندما هبطت الطائرة بسلام يقول عامر .. وجدنا النيران قد سرت إلى المحرك إثنين المُطفأ خطأً ولولا هذا الخطأ لإنفجرت الطائرة في الجو .. وقد إستشهد بعد ذلك العقيد فني عثمان أحمد المصطفى في طائرة عاشوراء مع الشهيد إبراهيم شمس الدين وكان هو مرتكب الخطأ الذي أنجى الله بسببه طائرة واو !! * أما الأخطاء البشرية في العمل السياسي فلا يحصيها إلَّا الذي أحصى كل شئ عدداً.. وجعل لما نلفظ رقيباً عتيدا.. فهل كان إستقلالنا في ذلك التوقيت خطأ.. أم كان تمرد الجنوبيين خطأ.. أم كانت حربنا على التمرد خطأ.. أم كان دفعنا بشباب بلادنا بالجامعات وصفوة علمائنا إلى الخطوط الأمامية حيث نالتهم نيران العدو حتى بلغ عدد الشهداء أكثر من ثمانية عشر ألف شهيد.. والحرب معناها تدمير قوة العدو المادية والمعنوية فكيف سهَّلنا على الأعداء إصطياد الوزراء والأطباء والمهندسين والفنيين وطلاب النهائيات في الجامعات بدلاً من أن نحميهم ونباعد بينهم وبين مكامن الخطر لأنهم ذخر هذه الأمة ومستودع عقولها ومستقبلها!! فهل كان هذا خطأ؟؟ وهل كان توقيعنا للسلام الشامل خطأ أفضى إلى الإنفصال ولم يمنع الحرب وحرمنا من نصيبنا من موارد النفط؟؟ وهل كان دخول قوات خليل إلى أم درمان «أرض القتل» خطأ؟ أم هل كانت مذكرة العشرة ومن بعدها المفاصلة خطأ؟ هل كان التمكين خطأ؟.. وهذا قد صححه السيد الرئيس.. وهل كان قبولنا باللجنة الأممية للتحقيق في الجرائم المزعومة في دارفور والتي أفضت بنا نتائجها إلى المحكمة الجنائية خطأ؟ وهل كان إعتمادنا على الڤيتو الصيني بمجلس الأمن لعدم تمرير قراراته ضدنا خطأ؟؟ وهل كانت معالجة وحدة السدود لقضية المناصير خطأ؟؟ وهل كانت «شيلة» مكاوي من الكهرباء خطأ؟؟ وهل كان إعلاننا عن تشكيل حكومة رشيقة فجاءت مترهلة «من تُقل المرجرج كالخايض الوحل» خطأ؟ وهل كان إعتقال البروف محمد زين العابدين ومن قبله المهندس البوشي خطأ؟ وهل إغلاق الصحف وإعادة فتحها خطأ؟ وهل كان إعدام المتهمين بتجارة العملة خطأ؟ إنه إجتهاد البشر الذي يتطلب المراجعة.. والوقفة مع النفس دون كِبَر وما يُقال للحكومة.. يُقال للمعارضة وأكثر .. فصحائفها مليئة بالأخطاء حتى لا نقول الخطايا.. فالخطأ ضد الصواب.. مثال قوله تعالى «وَلَيس عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيَما أْخطَأْتُمْ بِهِ» والخطيئة الذنب عن عمد مثال قوله تعالى «إِنَّا كُنَّا خَاطِئين» أيْ آثمين . وكلاهما يستوجب العدول عنه. وهذا هو المفروض