تحدثت كثيراً في السابق عن النعمة التي حبانا بها الله والمتمثلة في الأرض المسطحة ،الأرض الطينية ومياه النيل الأزرق العذبة التي جعلت من مشروع الجزيرة معجزة ، أعلى كفاءة ري سطحي في العالم ،وبعد ري دام أكثر من ثمانين عاماً لم تتأثر التربة بالملوحة . أثناء رحلة الجمعية السودانية للإرصاد الجوية لبورتسودان ،أتيحت لي زيارة دلتا طوكر وحينها وجدت نعمة أخرى من نعم الله على السودان ، بل ظاهرة نادرة جداً وهي أن الزراعة في دلتا طوكر عضويةOrganic تماماً ،لا سماد ولا مبيد حشائش ولا مبيدات حشرات ، بل ولا أمراض نباتات ولا تحتاج الأرض إلى تحضير ، ما على المزارع ان يضع البذور وينتظر الحصاد مما أدى الى أن تكون تكلفة الإنتاج اقل بكثير مما هي عليه في المشاريع الزراعية الاخرى في السودان وتعادل 10-15% فقط من تكلفة الإنتاج في المشاريع الاخرى . حدثني مدير الإرشاد الزراعي بالدلتا أن رياح العيتنيب التي تهب في الصيف تقوم بتقليب التربة وبما أن الري هو فيضي فهنالك رية واحدة لاتحتاج لتحضير للأرض ( سراب-جداول-أحواض) هذه الرية الواحدة تغمر الأرض تماماً ولفترة طويلة وتعمل عمل مبيد الحشائش في القضاء على بذور الحشائش ،كذلك هذا الري الفيضي يخصب التربة وبذلك لا تحتاج التربة الى سماد كيمائي ، وبما أن المنطقة معزولة وتهب عليها رياح الهبابي في الشتاء فإنها خالية من الحشرات وامراض النباتات ولا تحتاج لاستخدام أي مبيدات حشرية . لذلك فإن الزراعة عضوية تماماً ، وانتاجها من الخضر يمكن تصديره الى الخارج لان العالم اليوم أصبح يبحث وبأغلى الاسعار عن تلك المنتجات العضوية لان الخضر المنتجه بزراعة عضوية خالية من الأسمدة والمبيدات اصبحت هي المطلوبة ، هذه النعمة هذه البقعة الطيبة تقلصت مساحتها من 400ألف فدان إلى 40 ألف فدان فقط(10%) عشرة بالمائة ، لماذا أهملنا في تلك الأراضي التي لاتقدر بثمن ؟لماذا تركناها يستعمرها المسكيت؟!! للتاريخ فإن بذور القطن طويل التيلة لمشروع الجزيرة كانت تُنتج في دلتا طوكر لخلوها من الأمراض والحشرات ؟!أسال الله تعالى أن يوجه انظار المسؤولين تجاه دلتا طوكر واحيائها وإرجاع مساحة تلك البقعة الطيبة الى سابق عهدها أو في الأقل الى نسبة من مساحتها