سبحان الله، فعندما كنت اتهيأ للكتابة عن الاستاذ محمد ابراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني الذي افتقدته الساحة الوطنية والسياسية بعد مغادرته البلاد إلى العاصمة البريطانية مستشفياً، اذا بي اجد نفسي أنعي مع الناعين وأبكي مع الباكين شاعرنا الفذ محمد الحسن سالم حميد الذي فجعنا رحيله المفاجئ في حادث الحركة الأليم، ثم لم نكد نكفكف دمعنا ونلملم جراحاتنا إذا بنا نُرزأ بفقد كبير وخطب جلل آخر هو وفاة الاستاذ نقد الذي افتقدته البلاد في اشد لحظات حاجتها إليه وإلى حكمته وبصيرته النافذة ورؤاه السديدة خاصة في مثل هذا المنعطف الذي تمر به البلاد وهي تواجه ازمات شديدة التعقيد والتشابك وليس لها إلا ذوي البصر النافذ والبصيرة المستبصرة، ونقد رحمه الله يعد بلا جدال واحداً من أبرز بصرائنا وحكمائنا وراشدينا وكبارنا، فعند المحكات والمنعطفات والازمات كان دوماً اكبر من الحزب حتى لتظن انه ليس سكرتيرا لحزب وانما محلل ومراقب سياسي متحلل من اي انتماء حزبي، فقد كان واسع الرؤية يمد بصره إلى كامل الوطن ولا ينغلق داخل دائرة حزبية ضيقة لم تؤت مهما كانت الحكمة وفصل الخطاب، الانتماء للوطن السودان ولانسان السودان البسيط العفيف الشريف يعلو عنده على كل انتماء، وكان ذلك مدخله للاقتناع بالماركسية والتزام جانب الحزب الشيوعي الذي ترقى في مدارجه حتى تربع علي قيادته، وحتي لو اختلف الناس حول اطروحات الحزب ورؤاه وافكاره فإنهم لا يختلفون حول المزايا الشخصية التي يتمتع بها نقد كسوداني صميم كرّس حياته ووهب عمره لقضايا الناس والبلد منذ ما قبل الاستقلال وإلى ساعة رحيله وقد لاقى في سبيل ذلك ما لاقى من مشاق ومتاعب، من الاعتقال والملاحقة والمراقبة الامنية وإلى الاختفاء بعيدا عن الاهل والاحباب محتسبا كل ذلك من اجل ما آمن به ومن اجل انسان السودان الذي يعتبر نقد من اعرف الناس بمزاجه ونفسيته ولهذا كان حبيب النفس إلى الجميع إلا ذوي المزاج الفاسد والنفوس المريضة، ولم يكن نقد سياسياً متمرساً فحسب وانما كان إلى جانب ذلك مفكراً يُعمل النظر في اعقد القضايا ويكتب فيها الدراسات ويؤلف الكتب، كما كان حاضر البديهة سريع الرد والتعليق المختصر المفيد وصاحب نكتة لاذعة وذكية وليست سفيهة او غبية نعم رحل نقد والموت حق وهو سبيل الاولين والآخرين، ولكن ما يلفت النظر خلال المدة القليلة الماضية أن المنايا على رأي فقيدنا الكبير الآخر الشاعر الفذ صلاح احمد ابراهيم ان المنايا هذه الايام تحوم حول الحمى وتستعرضنا فتصطفي منا كل سمح النفس بسام العشيات الوفي الحليم العف كالانسام روحاً وسجايا، وإن كانت كلمات صلاح هذه قد قالها في رثاء صديقه وزوج اخته فاطمة الزعيم النقابي والقائد الشيوعي الشفيع احمد الشيخ بعد اغتياله، فإنها تقع وقع الحافر على الحافر في الفقيد نقد الا رحمه الله برحمته التي وسعت كل شئ وتغمده بفضله إنا لله وإنا إليه راجعون