ذات الصور والمشاهد تتكرر دائما في السوق المركزي جنوبي الخرطوم .. فلا جديد يذكر ولكنه القديم يعاد ..وسنظل نطرق عليه طالما لم تطاله يد التغيير الايجابي....بيئة متردية بلا خلاف.....ومياه راكدة في كل مكان ....وأكوام من الأوساخ على تلال متباينة الأحجام والارتفاعات ..تعيد إلى ذاكرة الكثيرين صورة ( الكوش ) ومكبات القمامة التي كانت في السابق داخل الاحياء ولكنها داخل السوق المركزي يكون لها اثر مختلف اذا ما اعتبرنا انه السوق الداعم لمعظم اسواق احياء الخرطوم بالخضر والفاكهة واللحوم فهو للزائر له يعلم انه عندما يرفدنا بالخضر والفاكهة يزودنا بكميات مقدرة من الجراثيم والامراض التي تصلنا حتما دون ان ننتبه لها وسط غفلة المواطنين او تغافلهم وتجاهل المسئولين ، وبين هذا وذاك وفي فصل الصيف الذي اعلن عن نفسه بقوة هذه الأيام تتزايد الاصابه بأمراض الجهاز الهضمي والتي ترتبط باستخدامات الغذاء . نهار مختلف ارتفعت فيه درجات الحرارة عن المعتاد يوم كنا متجولين داخل السوق المركزي بالخرطوم وقبل ان تطأ اقدامنا تراب السوق كان كل شئ قد اتضح وبان ، فالرائحة التي تزكم الأنوف تزداد حينا وتتراجع حينا آخر ولكنها دائما كانت ما تصر على ان تكون حضورا في كل الاحوال ، وفي وسط السوق كانت مجموعات من ( قفاف ) السعف الكبيرة وقد وضعت مكفية على وجهها ، خارج الرواكيب والترابيز التي خصصت للتجار الذين يعملون في بيع الأسماك بالسوق ما يسمى (بسوق السمك) لم يكن من المستغرب ان نشتم تلك الرائحة المميزة ، وفي ذلك التوقيت تحديدا الى درجة اضررنا فيها الى حبس انفاسنا .. ولكن ما يشير الى نفسه هو انه وفي وقت توقفت فيه حركة البيع داخل السوق بعد ان انتصف النهار قد انتشرت بقايا ومخلفات الاسماك مغطية ارض المكان بينما تجمع قدر ليس باليسير منها على نهاية السوق في الجهة الجنوبية منه ،ليترك له المجال ليكون مسرحا لتوالد الجراثيم ، ووسط هذا وذلك نجد ان هناك من ظلوا يزاولون يومهم عاديا بكل تفاصيله ، وعلي الجهة الاخرى لمحت ابصارنا البعض وهم يقيلون في استراحة على ما يبدو انهم ضمن العاملين بالسوق تندهش الى انهم يأخذون قسطا من الراحة في ذاك المكان ولكن يزول اندهاشك اذا ما ايقنت ان هذا ديدنهم في مكان اصبح مقرا لهم . وفي الجهة الغربية لدورة المياه العامة في السوق حدث ولا حرج كومات من النفايات وضعت على براميل القمامة ولكن على ما يبدو بانه فاض عنها ولم يحتمل تلك البقية التي القيت على الارض ،في وقت لا زالت الزيادات تتوالى بواسطة عربات النقل (الكارو ) و(الدرداقات ) التي لمحنا بعض الاطفال يحركونها بصعوبة وهي محملة بالنفايات في رحلة توصيلها الى ذالك المكتب ، ولكن ما بين دورة المياه العامة وكومة النفايات تلك جلست بلا مبالاة في حرم المبنى الواقع شمال تلك (الكوشة) وقد وضعت (كانونها ) وبقية الملحقات تبيع الشاي ولعل ما تنعقد له الحواجب دهشة ليس وجودها ولكن الزبائن الذين احاطوا بها في ذلك المكان الغذر مما يشير الى ان هناك من يستهترون بصحتهم وعن رضا تام . ولكن هناك من وجدوا انفسهم داخل اكوام النفايات... ليس بمحض إرادتهم ولكنها يد القدر التي ساقتهم ليشكلوا بقية تفاصيلها ، المشردين من الاطفال ، اولاد وبنات كانت ايديهم تتلجلج في اعماق برميل القمامة عله الحظ من يحالفهم ويخدمهم ليرمي لهم بالمفيد تحت ايديهم وتحت ناظرهم ، رأيناهم في تلك الكومة القريبة من اسواق ثلاجات الفاكهة يتوسطونها في حر غائظ ، وعلى الجانب الآخر من تلك الثلاجات وليس ببعيد من اكوام النفايات افترش البعض الارض ليروج عن بضاعته ..وبأسعار زهيدة مقارنة بالاسعار العامة للسوق كيف لا وقد وصلت الى مرحلة من التلف يشير الى عدم وجود ادنى رقابة صحية داخل السوق . وان كان من المفترض ان يتم جمع نفايات السوق لمرتين في اليوم ولكن ما تجده داخل السوق المركزي بالتأكيد لا ينبئك بهذا ..لان تأخر عربات نقل النفايات يؤدي الى تدويرها داخل ممرات السوق من جديد وسط الخضر او قد يستقر بها المقام داخل ذلك المجرى الكبير شمال السوق .. وما نود ان نقوله ان تكرار الخطأ لا يعني السكوت عليه وما يحدث في السوق المركزي انما هي فوضى عارمة يجب ان تتدخل أيادي المحلية والولاية لتلافيها بقدر الامكان حتى ترتسم صورة حسنة الى أحد معالم المدينة .