الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    عيساوي: حركة الأفعى    أبل الزيادية ام انسان الجزيرة    الفاشر ..المقبرة الجديدة لمليشيات التمرد السريع    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    نائب وزيرالخارجية الروسي نتعامل مع مجلس السيادة كممثل للشعب السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما يضعف عطاء الحركة الإسلامية ضعفها في المجال الفكري
البروفيسور التيجاني عبد القادر: (3)
نشر في الصحافة يوم 16 - 06 - 2012

واصلت قناة «الشروق» استضافة الباحث والمفكر والأكاديمي البروفيسور التيجاني عبد القادر حامد في برنامج مقاربات وراجعت معه في هذه الحلقة الثالثة فكر وتنظيم الحركة الإسلامية السودانية وأطروحاتها وتجربتها العملية، وبدورها توالي «الصحافة» نشر حلقات الحوار لأهميته:
٭ الصحوة الاسلامية العالمية هي التي دفعت بتكوينات في مسار الحركة الاسلامية السودانية فكيف تنظر الى تكوين الحركة الاسلامية في مساربها المختلفة؟
جدلية الخارج والداخلي في تكوين الحركة الاسلامية السودانية، ودعنا نبدأ بالمحلي وانا اتحدث من زاوية تجربتي الشخصية وانخراطي في الحركة الاسلامية وبدايات تسليكي في هذه الحر كة.. انا اعتقد انه قبل الدخول في الحركة الاسلامية نفسها كانت هناك مؤسسات سودانية محلية ساهمت في تسهيل انخراطنا في الحركة الاسلامية السودانية ومنها مؤسسة الأسرة ثم مؤسسة المدرسة ثم مؤسسة المسجد.. وانا وكثير من ابناء جيلي الذي انخرط في الحركة الاسلامية السودانية تخرجنا في أسر فيها تدين والتزام ديني فاذن التربية الأولى كان فيها عنصر الالتزام الديني والخلقي بصورة ظاهرة، ثم من بعد ذلك المدرسة التي وسعت اطار النظر والمعرفة، والمسجد ايضا كان مؤسسة مهمة في تكويننا، وهذه مؤسسات محلية سودانية ساهمت في تهيئة البيئة والمناخ الذي مهد للحركة الاسلامية ان تستقطبنا فيما بعد، ولولا هذا المكون المحلي ما اظن كنا سننتهي للحركة الاسلامية بما انتابها من تيار الصحوة من الخارج الى غيره.
٭ انتقلت بعد ذلك الحركة الاسلامية في تطورها من حركة صفوية محدودة وسط قطاع محدد من الطلاب والمثقفين الى حركة جماهيرية بعد اكتوبر.. هل الامر كذلك، وهل هي فعلاً انتقلت الى حركة جماهيرية شعبية بعد اكتوبر أم أن هناك في التاريخ ما قبل وبعد أكتوبر؟
يمكن ان نقول ان اكتوبر حد فاصل في تطور الحركة الاسلامية السودانية، وفي حركة السياسة السودانية القومية عموماً، لأن اكتوبر كانت ثورة شعبية لافتة للنظر والتفكير، وفيها تعبئة شعبية، وحتى الذين كانوا غافلين عن السياسة وعن الفكر انشغلوا بجو الثورة وانتبهوا، لذلك اكتوبر فتحت الآفاق وفتحت فرصاً من الحريات للعمل العام، وفتحت فرصاً للتلاقي بين المتعلمين وبين الجمهور العريض وبين الاسلاميين واليساريين ايضا في عمل جبهوي الى آخره، وهذا صحيح اتاح فرصة للحركة الاسلامية لاول مرة ان تتذوق طعم العمل الشعبي وتحدياته، وتحاول ان تطور هياكلها وبرامجها حتى تتواءم مع الزخم الشعبي الذي وفرته ثورة اكتوبر، ولعلك تعلم ان الأخ الدكتور حسن الترابي هو نفسه نتاج لهذا المناخ، واول ظهوره السياسي كان بفعل ثورة اكتوبر.
٭ انتشار الحركة وتمركزها وسط المثقفين والطلاب واساتذة الجامعات هل حرمها من ان تنتشر وسط العامة، وان تقوم بأدوار اجتماعية وسط المجتمع؟
٭ نعم طبيعي لأن الجانب الذي كان يستهوينا في الحركة الاسلامية هو الجانب الفكري بوصفنا طلاباً، وكنا نعتقد ان التحدي الاساسي هو تحدٍ فكري في منهاضة التيارات اليسارية آنذاك، والتيار الشيوعي كان له غلبة شديدة وسط المثقفين، لذلك كان الاشنغال بالقضية الفكرية والفلسفية كبيراً جداً وطاغياً على ما عداه من انشغالات، لكننا كنا ندرك بصورة غير واضحة ان البرنامج الفكري له ذيول اجتماعية وذيول سياسية الى آخره، لكن لم نبلغ حد ان نستكمل البرنامج في بعده الجماهيري بصورة كاملة، وفترة الطلب والشباب هي اقرب الى المثالية، وكنا نتعلق بالمثال الفكري والاسلامي، وهذا كان شغلنا الشاغل، وندخل في مجادلات مع التيارات السياسية الأخرى، ونصوغ هذه الاشواق والمثل في شكل أشعار ومسرح وكتابات صحفية الى آخره، فنجرب هذه الافكار في الاطار المدرسي المحدود، وهذه المرحلة الاولى، ولكن مرحلة التمدد الشعبي جاءت في لحظات لاحقة.
٭ نشأت الحركة الاسلامية في بدايات تكوينها في كنف جماعة الاخوان المسلمين ثم انفصلت عنهم.. هل كان هذا الانفصال من مؤشرات مرونة وفقه ومنهج الحركة الاسلامية في وقت مبكر؟
المفارقة التي حدثت هي مفارقة تنظيمية وليست فكرية في المقام الاول، ويجب ان نقر اننا استفدنا من الادبيات التي وفرها الاخوان المسلمون في مصر، فقد وسعت مدى الرؤية بالنسبة لنا في الحركة الاسلامية السودانية، فلم يكن هناك اشكال فكري ولكنها اشكالات تنظيمية، هل يكون التنظيم السوداني فرعاً من المصري ام تكون هناك خصوصية وهامش للحركة، وبالتالي تكون العلاقة علاقة تنسيق، وهذا هو المقترح السوداني ان تكون العلاقة علاقة تنسيق لاختلاف البيئات والظروف وليست علاقة مركزية مباشرة، وبالتالي حصل الانفصال المعروف لهذه الاسباب.
اما هل كان هذا مفيداً للجانب السوداني ام مضراً فأعتقد ان فيه بعض الفوائد وفيه بعض الضرر. الفائدة ان الاستقلال والحرية تتيح لك الفرصة للتجريب والعكوف على البيئة المباشرة السودانية ودراستها اكثر من التعلق بالافق العالمي وبالمثال، وهذا ما جعل سودنة الفكر والبرنامج الاخواني بصورة مناسبة تتلاءم مع البيئة، وهذا كان لا بد منه وضروري تحت تنظيم مركزي عالمي لا يتسنى في تقديرنا ان تتم فيه هذه العمليات، لكن الجانب السالب منه موجود..من الصعب لحركة اسلامية ايا كانت تستطيع ان تنهض باعباء البناء الاسلامي والمقاومة الاسلامية بصورة منفردة وبصورة منعزلة التنظيمات الأخرى تمثل عمقاً ورافداً ودعماً اساسياً لا بد منه، فكان ممكن يحصل نوع من التناصر وما يحصل هذه التنافر، وكان يمكن ان تستفيد الحركة الاسلامية اكثر.. فأنا لا اعتقد ان انفصال الحركة الاسلامية كان كله ايجابيا.
٭ في مسيرة الحركة الاسلامية من جماعة الاخوان الى جبهة الميثاق الى الجبهة الاسلامية القومية الى المؤتمر الوطني.. كيف تنظر الى هذا التطور.. هل هو مظهر من مظاهر انشقاقات داخل الحركة ام انه تطور طبيعي لا بد منه لتستوعب الحركة الاسلامية في مسيرتها الجوانب الشعبية الكبيرة؟
الفكرة الاساسية للحركة الاسلامية انك تقوم بتكوين عناصر اسلامية وتتوخى انها تكون استوعبت الفكرة التي تدعو اليها بصورة جيدة، ثم تنفتح بهذه العناصر الاسلامية على قطاعات اوسع حتى يكون لديها تأثير أوسع على المجتمع، ثم دائرة بعد دائرة حتى تصل لكل المجتمع، وطبعا النتيجة المنطقية لهذا العمل اذا كنت تعمل في العمل العام انك تبحث عن حلفاء يؤيدون الخط الفكري العام او يتفقون معك في الرؤية السياسية العامة، وليس بالضرورة يتفقون معك في الاطر التنظيمية، والتوسع عن طريق البحث عن حلفاء ومناصرين وغيره هو الذي اقتضى ان تغير الحركة الاسلامية مواعينها التنظيمية وادواتها حتى تتواءم مع القوى الاجتماعية الأخرى، ففي فترة الاخوان المسلمين الاولى ما كان من الممكن ان تجد حلفاء يدخلون معك في التنظيم، فوسعت الاطر وجاءت فكرة جبهة الميثاق الاسلامي حتى تضم كيانات اوسع وتكون اطاراً لتحالفات، ثم وسعت مرة اخرى في فكرة الجبهة القومية الاسلامية، فالفكرة من حيث المبدأ والنظر الاستراتيجي سليمة لا اشكال فيها، ولكن طبيعي ان كل تحول في كل مرحلة يؤدي الى انقسامات داخلية اذا تحولنا من تنظيم الاخوان المسلمين الى الميثاق الاسلامي، فهذا يؤدي الى انقسام، اي ما من تحالف خارجي الا يصاحبه انقسام داخلي، وفي مراحل لاحقة حصلت هذه الانقسامات وهي نتيجة للتحالفات، لأن بعض الناس يعتقدون انه كلما وسعت الاطار ضعف المحتوى.
٭ تجربة الحركة الاسلامية مع نظام نميري دخلتها الحركة الاسلامية في ذلك الوقت اتفاقاً مع الجبهة الوطنية، ثم خرجت الاحزاب الأخرى واستمرت الحركة الاسلامية مع نظام نميري.. البعض يعتقد أن استمرارها نوع من التكتيك البراغماتي في عالم السياسة.. كيف ترى هذه التجربة؟
قبل تعامل الحركة الاسلامية مع نميري ينبغي ان ننظر لتعامل الحركة الاسلامية في داخل الجبهة الوطنية نفسها.. الحركة الاسلامية بعد فشل الانقلابات المتكررة ضد نظام نميري وآخرها الانقلاب العسكري في عام ستة وسبعين وما حدث فيه من مواجهات وخذلان وفشل.. الحركة الاسلامية قيمت الوضع وانتهت الي نتيجة انها الأصوب لها ان تعمل في العمل السياسي بصورة مستقلة عن الاحزاب السياسية، لأن هذا التحالف لم يكن ناجحاً بكل المقاييس، بل كان ضاراً، هذا قبل الدخول مع نميري في تحالف، والتحالف مع نميري كان وفقاً لاستراتيجية وخطة، وجزء من الاستراتيجية أن التعامل في داخل الجبهة الوطنية استنفد اغراضه، فلذلك كان لا بد نحدد خياراتنا بصورة مستقلة، لذلك عندما دخلنا في تحالف كان ظاهره ان الجبهة الوطنية كلها دخلت في تحالف مع نميري، لكن الجبهة الوطنية دخلت في تحالفات منفردة مع نظام نميري، وكل كان له هدف. وكانت تحالفات مستقلة وتقديرات حزبية مستقلة، فالحركة الاسلامية وضعت استراتيجية طويلة المدى، واحد من اركانها انه يمكن الدخول في تفاهم جزئي مؤقت مع نظام نميري لأن الظروف لا تسمح بغير ذلك، والحركة لم تكن في وضع يمكنها من اقتلاع النظام بصورة كاملة، ولم يكن وارداً في ذلك الوقت ان نظام النميري سوف يطبق تشريعات إسلامية، ولم يكن متوقعاً منه، ولم يكن هدف الحركة الاسلامية حقيقة ان تطبق تشريعات اسلامية او نظاماً اسلامياً من خلال نظام نميري.
٭ ولذلك يرى بروفيسور عبد الله علي ابراهيم ما كان للحركة الاسلامية ان تسير في خط الموافقة على تطبيق التشريعات الاسلامية في قوانين سبتمبر، وكان الافضل لها اتخاذ نفس الموقف الذي اتخذته القوى الأخرى، ولأن ذلك لم يكن اصلا مطروحاً في برنامج الحركة الاسلامية.
هذا صحيح لم يكن مطروحاً، ولكن الحركة الاسلامية حشرت في زاوية ضيقة في هذه المسألة، وحاولت ان تعترض على بعض الأشياء ولكن لم يكن ميسورا الاعتراض الكامل على مبدأ تطبيق الشريعة الاسلامية، والا يبدو الأمر مضحكا اذا انت اصلا تقوم على الشعار الاسلامي والمبادئ الاسلامية فكيف ترفض تطبيق الشريعة الاسلامية والبرنامج الاسلامي اذا اتى من غيرك، فيتصور انك اما تطبق الشريعة انت واذا طبقها غيرك انت تقول لا، فكان الوضع فيه مآزق من هذه الناحية، فالحركة الاسلامية قبلت مسايرة النظام على مضض وعلى امل انه يمكن اصلاح البرنامج الذي دخل فيه الرئيس النميري على مهل، ويمكن تلافي بعض القصور فيه.. لكن اعتقد أن ذلك كان تقديراً سياسياً غير صائب ولم يكن في صالح الحركة، ولم يكن في صالح المشروع الاسلامي نفسه، لأن هذا التطبيق وما صاحبه من بعض المسالب انعكس سلباً على صورة النظام الاسلامي واصبح منسوباً له، وكلما تحدث الناس عن امكانية برنامج اسلامي يقفز الى الأذهان ان الاسلام هو قطع الايادي وكذا، واصبحت نقطة غير جيدة في مسيرة الحركة الاسلامية.
٭ اذا كان في ذلك الوقت ما يلي هذه التطبيقات من وزارات وغيرها محسوباً علي الحركة الاسلامية بصورة عامة فمن الذي رتب لنميري هذه التشريعات بهذه الصورة التي اصبحت خصماً على البرنامج الاسلامي ككل؟
كان لنميري مستشاروه واعوانه، وهم اسماء معروفة في الحياة السياسية السودانية من غير الحركة الاسلامية ومن غير مسؤولي الحركة، وقرارات التشريعات نميري كان يصدرها ولا تمر على الحركة الاسلامية من قريب او بعيد، بل في بعض الاحيان امين الحركة الاسلامية، مع انه كان مستشاراً له، الا انه كان يوصي مستشاريه الاخص بألا تمرر التشريعات على الترابي، وكانت هناك احتكاكات داخلية ولم تكن هناك شورى كاملة او ثقة متكاملة، وانما جاءت على صيغة المباغتة للحركة وللشعب السوداني، وعلي الطريقة العسكرية والمباغتة جزء من العمل العسكري.
٭ بعد الديمقراطية الثالثة اصبحت الحركة الاسلامية في المعارضة صفوة من النواب داخل البرلمان اتوا عبر دوائر الخريجين.. هذه التجربة الي اية درجة ساهمت في تكوين قيادات للحركة الاسلامية؟
على المستوى الشعبي ساعدت لأنها اتاحت فرصة اعلامية وفرصة للتلاقي والتمثيل النيابي لا بأس بها، ويمكن هي فرصة للتجربة السياسية بصورة معقولة، لكن على المستوى التشريعي او على مستوى انضاج البرنامج الاسلامي نفسه ورفده بتجربة سياسية برلمانية ما كانت لها حصيلة، لأنه في تقديري البرلمان نفسه كان الانشغال بالقضية السياسية والمماحكات السياسية والخلافات والازمات السياسية فيه أكثر من العمل التشريعي الجاد لاخراج برامج حزبية او قومية، فهي كانت إهداراً للوقت بصورة كاملة، ولم يكن لديها مردود كبير على الحركة الاسلامية.
٭ دخلت الحركة الاسلامية القومية الانتخابات بمشروع أبرز ما فيه الحكم اللامركزي وقضية الجنوب.. هل ما تم طرحه في ذلك الوقت من برنامج الحركة الاسلامية كان هو فعلاً رؤية الحركة الاسلامية لمعالجة مشكلة الحكم ام ان ذلك كان برنامجاً للانتخابات فقط؟
مسألة اللامركزية قضية ثابتة عند الحركة الاسلامية منذ فترة سابقة، وكانت الحركة الاسلامية منذ فترة سابقة، تدرك ان السودان ليس من الحكمة ان يحكم بالصورة المركزية القابضة، وكلما توزعت السلطات على الولايات والاقاليم كان ذلك اوسع بالنسبة للادارة وبالنسبة للسودان، وكذلك قضية الجنوب كانت ثابتة في برنامج الحركة الاسلامية منذ زمن بعيد مثل اللامركزية، والاثنان مرتبطان ببعض، والفكرة كانت ان يعطى الجنوبيون ادارة اقليمية او حكماً ذاتياً او فيدالية واسعة، فتقضي على هذه المشكلة بصورة معقولة في اطار السودان الموحد.
٭ واحدة من الاشياء التي تحسب على الحركة الاسلامية وجود الدكتور حسن عبد الله الترابي على قيادة الحركة لفترة طويلة من الزمان، وتشبه في ذلك بالاحزاب التقليدية الاخرى، ويعتقد البعض ان وجود الترابي لهذه الفترة الطويلة سد الباب امام تفريخ قيادات لديها القدرات اذا ما غاب الدكتور الترابي لاي سبب من الاسباب عن المشهد السياسي .. هل ترى أن ذلك صحيحا؟
شأن الترابي في هذا شأن كل الآباء التأسيسيين للحركات الاجتماعية والسياسية، فوجوده ملازماً لوجود الحركة لفترة طويلة شيء طبيعي، وهو أمر ملاحظ في كثير من الحركات. لكن كثير من الدارسين للحركات الاجتماعية والسياسية يقولون ان الحركة لن تبلغ مرحلة النضج والرشد الا بتنحي الآباء التأسيسيين لتتاح فرصة لأجيال أخرى تتعاقب في القيادة جيلاً بعد جيل وتجربة بعد تجربة، فاذا طال أمد الجيل التأسيسي فإنه يضر بتطور الحركة الطبيعي ايا كانت الحركة. وأنا لا اقول ان قلة ظهور قيادات بديلة السبب الاساسي فيها شخصية الترابي، ولكن هناك عوامل أخرى ووجوده ايضا من ضمن العوامل.
٭ اذا ما هو العامل الذي حجب ظهور قيادات أخرى؟
الظروف السياسية التي تعمل فيها الحركة الاسلامية، فأنت لا تستطيع أن تبرز قائداً مثل حسن الترابي بين عشية وضحاها، فالقيادة تحتاج لمواصفات معينة، فاذا وجد قائد تنطبق فيه هذه المواصفات ويلبي متطلبات المرحلة فلن يكون تغييره من الحكمة في شيء، خاصة اذا كانت الحركة تمر بظروف سياسية فيها قهر واضطهاد ومطاردة، فأنت لا تغير الحصان الرابح في منتصف المعركة، فالترابي كان هو حصان الحركة الاسلامية الرابح لفترة طويلة عطاءً فكرياً وقدرة تنظيمية، فلم تكن هناك دواعٍ سياسية أو منطقية ملحة لتغييره، يضاف الى ذلك ان الحركة الاسلامية كانت الي حد ما حركة أنداد أي ادارتها وصفها القيادي متقاربان من بعض. وكان هناك قدر من الشورى في تغيير القيادة، وكانت هناك آجال محددة لتجديد الثقة في الامين العام فترة بعد فترة. فكانت كل هذه الضوابط كافية لظهور بعض القيادات ولكن دون التفريط في القدرات القيادية التي توفرت للدكتور الترابي، وهذا كان تقدير معقول لكنه اذا تجاوز مداه يمكن ان ينقلب لشيء آخر.
٭ الاتهام للحركة الاسلامية بأنها ضعيفة في ما يتعلق بمسائل البناء الفكري، وان مساهمة عضويتها بصورة عامة في ما يتعلق بالمساهمات الفكرية هي أيضاً مساهمات ضعيفة.
الامور نسبية .. ضعيفة نسبة إلى ماذا؟ فاذا نسبنا الحركة الاسلامية الى احزاب سودانية اكبر منها وأسبق تاريخياً هناك احزاب تأسست منذ القرن الماضي، فلما تقارن كسبها الفكري وعطاءها بكسب الحركة الاسلامية وعطاءها تجد الحركة الاسلامية نسبيا متقدمة ان لم تكن مساوية لهذه الأحزاب. اما اذا كان القصد أن ننسب الكسب الفكري للحركة الاسلامية بالحركة اليسارية على وجه الخصوص فالحركة اليسارية هي جزء من مدرسة فكرية امتدت قروناً في التاريخ الاوروبي وتجربة سياسية عميقة ومؤسسات كانت ترفدها، وبالتالي كانت هناك كوادر فكرية وثقافية مدربة، وكانت هناك عواصم تساعد في هذا المد وفي هذا التثقيف.. والحركة الاسلامية كانت تتحرك وظهرها لا يستند الي شيء.
٭ ولا حتى التاريخ الاسلامي الطويل؟
التاريخ الاسلامي الطويل كان نفسه مشكلة.. فالحركة الاسلامية تريد ان تصلح التراث الاسلامي وتعدل فيه فكانت جهود بدون ان يكون فيها معينات حقيقية من مؤسسات لها قوة دفع كبيرة في هذا المجال.. هذا ليس اعتذاراً ولكنه تفسير لهذه الظاهرة، ولكن انا لا انكر ان ما كان يتوقع من عطاء فكري لحركة الاسلامية اكبر مما هو موجود، وهذا عيب وقصور كبير ينبغي للحركة الاسلامية ان تتفاداه اذا كان للحركة الاسلامية وجود، وانا اعتقد ان مما يضعف عطاء الحركة الاسلامية هو ضعفها في المجال الفكري وليس في المجالات الاخرى.
٭ كذلك يشير البعض الى ان تركيز الحركة الاسلامية على قضايا التربية يرجع الى سيطرة القيادات التقليدية بالحركة، وان هذا التركيز كان خصماً على جوانب أخرى كان يمكن ان تجد فيها الحركة حظاً وظهوراً أفضل؟
أصدقك القول اني كنت أذهب هذا المذهب، وكنت اظن ان التركيز على الجانب التربوي اضاع جوانب اخرى، لكن حينما تعيد النظر تقول يا ليت ان التركيز على الجانب التربوي كان اكثر من ذلك، لأنني الاحظ في الآونة الأخيرة اننا أوتينا من قبل النقص في هذا الجانب، فواحدة من المشكلات التي تنقص البرنامج الاسلامي ليس فقط المكون الفكري وانما المكون الاخلاقي أيضاً. فالتربية هي تربية على مثل وقيم أخلاقية وترسيخها في نفس الفرد والجماعات، طبعاً قديماً كان الانتقاد ان المكون التربوي اخذ اكثر مما يستحق، لكن حينما اتسعت الحركة الاسلامية اكتشفنا ان المشكلة هي مشكلة تربية واخلاق لم تكتمل بصورة كافية، طبعاً علي خلاف كيف تتحقق التربية، فبعض الناس يرى ان التربية يمكن ان تتم وسط المعمعة اثناء العمل والعملية، لكن لو كان هناك تكوين تربوي واخلاقي قوي يصاحب ايضاً في مرحلة العمل والانطلاق بمقومات تربوية أخرى.
٭ هل كانت للحركة الإسلامية السودانية رؤية واضحة في ما يتعلق بتعاطيها مع قضايا تكاد تكون ذات خصوصية في المجتمع السوداني مثل القضية الجهوية والعنصرية والقبلية؟
كانت هناك افكار مستبطنة في اذهان كثير من العاملين في الحركة الاسلامية تتعلق بمسألة العدالة الاجتماعيةو بمعنى ان كثيراً من القياديين والعاملين في الحركة يؤمنون بأن القضية الام التي جعلتنا ننضوي تحت الحركة الاسلامية هي مسألة العدالة الاجتماعية وما يتصل بها، واقصد بالعدالة الاجتماعية ان الشرائح الضعيفة في المجتمع والشرائح المهمشة ينبغي أن يفسح لها مجال في التعبير وفي قسمة الثروة والسلطة، وكانت هذه افكار مضمرة لكن في تقديري لم يعبر عنها في ادبيات الحركة الاسلامية بصورة كافية، وهذه مشكلة لأن الناس يحكمون عليك بالمكتوب والمنشور، فالحركة لم تعبر عن البعد والعمق الاجتماعي لبرنامجها السياسي، فظهر وجهها السياسي والقانوني لكن ضمر واختفى عمقها الاجتماعي، اي أن القضية الاجتماعية بما فيها من التكوينات القبلية وغيرها لم تبرز في بياننا بصورة كافية، وانا اخشى ايضا ان اقول ان هذا الضمور ترتب عليه ان بعض قيادات الحركة الاسلامية غاب عنها هذا البعد فيما بعد، فأصبحوا يتعاملون بالجوانب القانونية للدولة والتشريعات والجوانب السياسية، لكن غفلوا تماماً عن العمق والبعد الاجتماعي لمسألة السياسة السودانية، وهذا مضر ومعيب جداً.
٭ في ما يتعلق بقدرتها على التعبير.. هل كانت للحركة القدرة على التعبير عن قضايا مثل الحريات وحقوق الانسان وغيرها بمثل ما كانت تعبر عنه التيارات اليسارية مثلا؟
كنا نعبر عن قضية الحرية والعدل والديمقراطية حينما كنا في المعارضة.. سنوات طويلة كنا نتحدث فيها عن الحريات والعدالة، وطيلة فترة نميري كان هذا هو الشعار، لكن بكل اسف في المراحل اللاحقة حينما تحولنا من المعارضة الي مرحلة الحكم توارت هذه الشعارات وضعفت بعض الشيء وطغت قضايا أخرى، وهذه واحدة من سلبيات الحركة الاسلامية، فليس هناك اتساق بين مرحلة المعارضة ومرحلة الدولة.
٭ قضية المرأة أيضاً هي من القضايا التي تشغل تجارب الحركات الاسلامية في الفكر والتنظير.. هل خطاب الحركة الاسلامية في ما يتعلق بقضية المرأة كان خطاباً يستند إلى معطيات ثابتة ومحددة ام انه كان يأتي في ظل الصراع مع اليساريين؟
لا.. كان هناك نظر عميق في مسألة المرأة، وكانت هناك قناعة عميقة ان يكون للمرأة دور داخل الحركة الاسلامية وداخل المجتمع ولفترة طويلة نحن طيلة عملنا في داخل الجامعات والطلاب كنا نولي اهتماما شديداً لمسألة المرأة، ليس فقط مضاهاة للحركة اليسارية.. صحيح ان الحركة اليسارية كان لها وجود اسبق وكانت منافساً في هذا المجال، ولكنا ايضا كانت لنا قناعة بأن المرأة المسلمة يجب ان تخرج من القوقعة وتكون لها مشاركة داخل الحركة. وهناك نظرة في التراث والفكر الاسلامي ومحاولة تأصيل لهذا الجانب، وصدرت بعض الاصدارات في هذا الجانب، وكنا متقدمين نسبياً في هذه المسألة مقارنة برصفائنا في المحيط العربي والاسلامي.
٭ تجربة البنوك الإسلامة يرى البعض انها ادخلت الحركة في بعد استثماري ربحي تجاري في وقت كان يجب أن تهتم فيه الحركة بقضايا مثل الفقر في المجتمع؟
هي ليست قضية معالجة الفقر فقط، ولكن معالجة قضية الفقر في التنظيم الاسلامي نفسه. فانت حتى تحل مشكلة الفقر في المجتمع محتاج الى تنظيم وادارات، ولا بد ان يكون لديك تمويل لهذه العمليات، فالاثنان مرتبطان ببعض. فكانت معضلة الحركة الاسلامية هي كيفية تمويل النشاط الاسلامي نفسه، وكما هو معلوم عضوية الحركة معظمها من الطبقات الفقيرة وابناء الفقراء، فكان الذي يضغط على التفكير كيفية ايجاد مؤسسات مالية او مصارف تستطيع ان تغطي هذا الجانب من العمل وهو جانب مهم جداً. وفكرة المصارف الاسلامية لم تنشئها الحركة الاسلامية ولكن الحركة تبنتها، وعدد كبير من عناصر الحركة استوعبوا في هذه المؤسسات، وانا لا اعتقد ان الحركة الاسلامية خططت لادارة هذه المصارف بصورة كاملة، لكن كانت تظن انها يمكن ان تستفيد بصورة غير مباشرة من حركة البنوك الاسلامية، وتستفيد بصورة مباشرة بايضاح النموذج الاسلامي الاقتصادي نفسه، اكثر من فوائد مادية او فوائد وظيفية، والدور الذي كان منوطاً بعناصر الحركة الاسلامية في المصارف الاسلامية هو تمتين واستكشاف النموذج الاقتصادي وتجربته لمرحلة الدولة، لكن بكل اسف اتجهت الأنظار الي مسألة التمويل والأموال والتخديم ونسي النموذج المصرفي، لذلك في تقديري ان التجربة لم تنجح من الناحية النظرية في تمتين اركان النموذج الاسلامي نفسه، ولم تنجح من الناحية العملية في أن تقوي المجتمع السوداني، فاصبحت كأنها مصارف او مؤسسات ملحقة بالنظام الرأسمالي الاقليمي او العالمي بصورة عادية، فلم يتغير النظام ولم يكن له مردود كبير على تغيير واقع الشعب السوداني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.