تحية كريمة، ورمضان كريم، وكل عام والسودان من أجل الأحفاد وتراث الأجداد بخير، آمين.. بدءاً أقول: بدا لي أن اقول «أيهم أجمل» أو «أيهم أبلغ». ثم عدلت الى «أوقع» لأنها تمثل أثر الجمال في المسؤول لا درجة الجمال، أرجو أن يكون أمثل الثلاث. وبعد: الشعر الشعبي «الدوبيت» غني بالحكم والأمثال وما الى ذلك، لذلك كتبت خطاباً عام 8591م للسيد وكيل وزارة المعارف «التربية والتعليم الآن» عبد الحليم علي طه، اقترحت عليه جمع التراث شعراً ونثراً وأحداثا وأحاديث قبل الإندثار. فاهتم بالخطاب لصلته الوثقى بالدوبيت، فقد كان أحد فحول شعراء الدوبيت، فحّول الخطاب الى مكتب النشر لكن لم يتم شيء لأسباب عدة لا مكان لذكرها هنا. بعضها اداري «كالمنافسة على الترقيات» وبعضها اكاديمي «مؤهل جامعي مقابل ثانوي» وبعضها تربوي غير مرئي، الغاية منه دثر التراث، وما يزال هذا السبب يعمل لمسخ الشخصية السودانية المعهودة. آمل تدارك الأمر بإنقاذ السودان بحكومة الانقاذ. من هذا الشعر «4» أبيات سمعتها من الأخ البشير خميس كباشي عام 8691م استقر بجزيرة حمور منذ زمن رسخت بالذاكرة لطرافة معناها ومبناها، والآن أعيد سؤال شاعرها نيابة عنه لأخذ رأي القارئ، وهي: «سمح السجار ولا الخواجة ال / جابو؟» «ولا سمح الصمد يوقت يقص تيرابه؟» «ولا سمح الغريب ساعة يعود ل عقابه؟» «ولا سمح العريس ليلة يتربس بابه؟» اللغة والمعنى: 1- الكلمات «سمح» كلمة عربية صريحة، منها قولهم في التراب «سماحة النفس» وقول الشاعر الجاهلي «ديمة سمحة القياد سكوب» «مستغيث بها الثرى المكروب» وهي بمعنى جميل.. واكثر الشعوب العربية استخداما لها هم السودانيون.. فالبنت سمحة، والاكل سمح والكلام سمح.. وقليلا ما يستخدمون جميلة او جميل مكانها. «السجار» السجائر بحذف الهمزة لان اللهجة السودانية تتجنب نطق الهمزة، اما بالحذف كهذه او قلبها عينا «كسعل» في سأل. او لاما «كاللراك» في الأراك. وهم في هذا كقريش في العرب. ولسيدنا علي قول مشهور هو «لولا ان رسول الله همز ما همزنا» لثقل النطق بالهمزة. «ولا» اصلها «او لا» لا زائدة أو ليست بزائدة لان أصل العبارة «او لا سمح الخواجة ال/ جابو» بمعنى الذي وجاب اتى به. والواو هي ضمير الغائب المتصل التي كثيرا ما يكتبها الكتاب واوا. المعنى: ايهما أحق بالمدح والثناء السجائر ام الخواجة الذي استورده؟ من ينظر الى الظاهر يقول السجائر ومن ينظر الى الباطن يقول الخواجة، والغاية من السؤال، هنا ليست المقابلة، بقدر ما هي إثارة التفكير والتعمق في الموازنة لما هو آت من الاسئلة. 2- «ولا» او لا كالسابقة «الصمد» عربية فصيحة «االله الصمد» وهو رئيس المزارعين بالساقية عددهم 3 والرابع الصمد، يقال لهم الترابلة بلغة الدناقلة الواحد تربال. من الطرائف ان الفقهاء المحليين «الفكي باللهجة المحلية» قال للترابلة لا تقولوا «الله الصمد» ولكن قولوا «الله في السماء» لينزه الله عن كلمة «صمد الساقية» المبتذلة. «يومتْ» اصلها يوم زيدت التاء لتأكيد المعنى «يقص» قصّ الأثر تتبعه «تيرابه» نابت بذور الذرة بالذات. وقصّ التيراب ان يقبض الصمد يده اليسرى باليمنى خلف ظهره ويسير بتؤدة ليرى مدى نجاح زرعه بالفراسة والتوسم، ولا يصل الى هذه المرحلة الا بعد اصلاح الساقية الذي يقع عليه فيه معظمهم مسؤولية الاصلاح «العمرة» لا على الترابلة، فإن بلغ اصبح ثقل العمل على الترابلة. وقص التيراب يعني الاحساس بسعادة خلو البال. 3- «ولا» كالسابقة «عقابه» العقاب البقية والفضلة، المعنى هنا أهله. 4- «يتربس» في رواية اخرى «يقفل بابه» والترباس الة القفل المعنى الخلوة بالعروس امام الناس وسمعهم بلا حرج. السؤال: أيهم أوقع في النفس وأجمل وأمتع: راحة الصمد يقص تيرابه بعد عناء؟ ام فرحة الغريب ساعة العودة الى أهله؟ ام العريس بعروسه ليلة الدخلة؟ سمع أحد الشيوخ بالحي هذه الأبيات: فقال: لي: «العريس» وهو بهذا يتفق ورأي الشاعر الذي تدرج بسؤاله الى ان بلغ الذروة بالعريس. فهل صح ما قالا؟ السؤال لقارئ الكريم، ولي رأي بعد سماع الآراء لعل من أبلغ مظاهر بلاغة الشاعر بالأبيات استخدم «يوقت» للصمد و«ساعة» للغريب و«ليلة» للعريس، والتزم بالألف والباء والهاء بالقافية «حابة/ بابه». البروفيسور عبد الله عووضة حمور