ثم ماذا بعد انسداد طرق السلام ؟ هل سيعود وفدا التفاوض الحكومي لكلا السودانين لممارسة اعمالهم كالمعتاد ؟ ألم يكن الاجدر صناعة عيد للسلام يعم كافة ربوع السودان وينهي حالة اللاحرب واللاسلم القائمة بين مختلف اقاليم البلاد اليوم في الشمال والجنوب وفي ولايات جنوب كردفان والنيل الازرق تحديداً ؟ لقد فشلت مفاوضات السلام وقد كان الفشل ملازماً لها منذ يوم اعلان بعض المتنفذين من الطرفين عدم رغبتهم السير في طريق السلام ، لقد كان صوت الحرب وصيحات القتال اكبر بوقاً واكثر ضجيجاً مع ان الجميع كانوا يعلمون علم اليقين ان الحسم العسكري لاي من النزاعات القائمة اليوم في بلاد السودان هو تحصيل حاصل ويعني ازهاق المزيد من ارواح العسكريين والمدنيين واتلاف الممتلكات والبني التحتية المملوكة للشعب والاجيال دون تحقيق اي نوع من الانتصارات الوهمية . انتهت الجولات التفاوضية وعادت الوفود جميعاً بخفي حنين وكسب الشيطان واعوانه المعركة وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون بعد انسداد طرق السلام وانفتاح الاوضاع على كافة الاحتمالات خصوصاً بعد شيوع حالة الاحباط وسط المهتمين ووسط مراكز الضغط من اطراف المجتمع الدولي الذي كان يظن ان المهلة التي حددها مجلس الامن الدولي للطرفين للعودة الى جادة الطريق كفيلة بايجاد نوع من المسؤولية الحكيمة تجاه الاوضاع الكارثية في الشمال والجنوب ، لقد بات واضحاً لكل صاحب عقل ان انتظار انهمارحلول سلمية للازمة السودانية تهبط من السماء كما المطر هو وهم كبير وان الوقت قد حان للسودانيين جميعاً ليهبوا هبة واحدة لتدارك انحدار الامور نحو سيناريو التفتيت والتقسيم بعد ان عجزت الارادة السياسية القائمة على قيادة البلاد نحو بر الامن والاستقرار السياسي والاقتصادي ، لقد حان الوقت او بالعدم ترك البلد تنحدر نحو المزيد من التعقيدات وصولاً الى تنفيذ المخطط الامبريالي الجهنمي الرامي الى تقسيم وتفتيت السودان بعد نجاح مخطط فصل الجنوب والذي تتحمل مسؤوليته كل المجموعات غير الوطنية في الحكم والمعارضة و التي ساعدت على انجاز الانفصال بمختلف التسهيلات . ومع فشل المفاوضات بين الخرطوموجوبا وحتمية ارجاع ملف العلاقات بينهما الى مجلس الامن الدولي مجدداً لتقييم الحالة ومعرفة اي الطرفين اكثر تشدداً وحمقاً وتسويفا يتبادر الى مخيلة جميع اهل السودان الشرفاء ان كلا الحكومتين واقعتان تحت براثن الارتهان للارادة الدولية وانهما لا يستطيعان اتخاذ اي قرار دون معرفة درجة قبوله دولياً ولذلك ذهب وفدا الطرفين للمفاوضات ليس لتوقيع اتفاقيات سلام وامن واستقرار وإنما لأن مجلس الامن الدولي طلب منهما ذلك وتوعدهما بتنزيل عقوبات صارمة في حالة عدم تنفيذ العملية التفاوضية والتوصل الى حل سلمي للنزاع والقتال الدائر بينهما والذي تسبب في حدوث كوارث انسانية عوضاً عن تردي الاوضاع الاقتصادية في كلا البلدين جراء ايقاف ضخ النفط ، وسيتبادر الى الجميع ان انسداد فرص وطرق السلام سببها عدم توفر المسؤولية تجاه الشعب السوداني في الشمال والجنوب وعدم الاهتمام بقضاياه الملحة من قبل كلا الطرفين وبالتالي تصبح عمليات التفاوض عبارة عن جولات عبثية يستبطن اصحابها النوايا السالبة ولايأبهون للاضرار الناجمة عن فشل العملية التفاوضية طالما انهم يحققون مكاسبَ ذاتية في كافة الاحوال . والارتهان للإرادة الدولية يمثله الزخم الاعلامي المصاحب لزيارة وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلنتون لعاصمة دولة جنوب السودان جوبا وما تحمله من مغازي ورسائل ودلالات وما سببته من استقطاب لدى الخرطوم بحيث تصبح الازمة هي لماذا تتحسن علاقة جوبابواشنطن ولا تتحسن العلاقات بين الخرطوموواشنطن ؟ ان ركض الطرفين نحو تحسين العلاقات مع واشنطن يكشف مدى ادراكهما للتأثير الاميركي عليهما وعلى عملية اتخاذ القرار لديهما - وما خفي اعظم - وبالتالي يكشف للشرفاء من اهل السودان كما اسلفنا ان تحقيق تطلعات الناس نحو السلام والاستقرار والحرية والديمقراطية وتعزيز حقوق الانسان هي آخر ما يفكر فيه حكام السودان اليوم وان وفود التفاوض التي تجوب العواصم بمزاعم البحث عن السلام لا تملك اي قدرة او قابلية للتوقيع على شئ .