قال أبو جعفر المنصور المؤسس الحقيقي للدولة العباسية في أركان الملك: (أركان الملك أربعة، لا يصلح الملك إلا بها، كما أن السرير لا يصلح إلا بأربعة قوائم، ان نقصت واحدة تداعى.. وهي: أما أحدهم فقاضٍ لا تأخذه في الله لومة لائم.. والآخر صاحب شرطة ينصف الضعيف من القوى.. والثالث صاحب خراج يستقصى ولا يظلم الرعية فاني على ظلمها لغني.. والرابع صاحب بريد يكتب بخبر هؤلاء على الصحة..). ومن هذه المقولة نستخلص أيضاً أن الشرطة هي القاسم المشترك الأعظم بالنسبة لهؤلاء، فالقاضي لابد له من شرطة تجلب الخصوم أمامه وصاحب الخراج لابد له من شرطة تحرسه وكذا صاحب البريد... ويقول ابن خلدون في مقدمته عن الشرطة (يسمى صاحبها بأفريقيا في ذلك العهد بالحاكم وفي دولة أهل الاندلس صاحب المدينة، وفي دولة الترك الوالي.. وهي مرؤوسة لصاحب السيف في الدولة.. وكانت ولايتها للأكابر من رجالات الدولة..). وكانت ومازالت الشرطة هي صمام الأمان للدولة والمجتمع في السودان، غير اني في السادس والعشرين من رمضان الماضي شاهدت ما أزعجني وأذهلني.. بل وصعقت له!! توجهت في ذلك اليوم إلى مقر اتحاد ضباط الشرطة المتقاعدين بالخرطوم غرب، وفي حوش الدار وجدت أمّة من الناس.. رجالا ونساء وشبابا وشابات يتدافعون.. فعلمت انه سيتم صرف (منحة العيد) وان دار الاتحاد قد خصصت للرتب.. لواء.. عميد.. عقيد من المتقاعدين.. (ولفائدة القراء على عهدنا في الشرطة.. رتبة لواء كانت لمدير عام البوليس.. ورتبة عميد يسمى مساعد مدير عام البوليس.. ورتبة عقيد يسمى (قومندان) والقمندان كان مسؤولاً عن مديرية كاملة كمثل (دارفور) وهي الآن خمس ولايات!! دلفت إلى داخل الدار وفي غرفة صغيرة وجدت هؤلاء من كانوا قادة الشرطة في يوم من الأيام يتدافعون ويتعاركون ومعهم أرامل من توفوا ونساء وأبناء وبنات من أقعدهم المرض عن الحضور، كل هؤلاء يتدافعون لكي يقدم كل واحد منهم بطاقته لضابط برتبة مقدم منتدب من ادارة الخدمات ويقوم هذا المقدم بفحص البطاقة في جهاز أمامه ليتأكد من أنها غير (مزورة)! ثم يمنح الشخص ورقة مختومة ليذهب إلى غرفة أخرى ليصارع أيضاً ليتأكد من أن اسمه في الكشف ليصرف له (مائة جنيه)!! هذا ان كان محظوظاً ووصل إلى هذه المرحلة في نفس اليوم وإلا عليه أن يعاود الكرة في اليوم التالي.. أخي الفريق أول هاشم عثمان.. نحن نثمن عالياً جهدكم ومثابرتكم لحل مشاكل المتقاعدين ومشاركتكم لهم في الأفراح والأتراح، أنت والأخ د. عادل ولكن مثل هذا العمل ينسف جهودكم.. أخي الفريق د. عادل.. بطاقة الشرطة للمتقاعدين تصدر من مكتبكم فهل تحتاج لفحص؟! ماذا يقول لنا الآخرون عندما نقدم لهم هذه البطاقة وأهل الدار يشككون فيها؟ إذاً من حق خفير المستشفى أن يسأل اللواء ان كانت بطاقته صحيحة أم مزورة!!.. هل يعقل أخي د. عادل أن يزور لواء أو عميد أو عقيد بطاقته لصرف مبلغ (مائة جنيه)! أنا على ثقة انك لم تعلم بذلك ولا يمكن أن تقبله.. أخي هاشم وأخي د. عادل ارفعا الحرج عن هؤلاء وارسلا هذه المنحة ان شئتم (وأنا أعلم انها ليست حقا) ارسلوها في كشوفات المعاش بالبنك أو التوجيه بصرفها بطريقة لائقة تحفظ لهؤلاء كرامتهم فهي من كرامة هذه المهنة العظيمة التي أنتم حماتها الآن.. وأقول للاخوة في قيادة اتحاد ضباط الشرطة المتقاعدين: لقد تحول الاتحاد إلى بؤرة صراعات حسمها بكل أسف (ضباط الحقيبة) (وللقاريء.. ضباط الحقيبة هم الصولات الذين منحوا رتبة ملازم لأغراض المعاش.. وذلك كناية عن حقيبة الفن.. أي القدم!!) لقد تحول الاتحاد إلى وظائف هلامية (كأسماء مملكة في غير موضعها...) وأصبحت لتلك الوظائف مرتبات وامتيازات ومكاتب وعربات بدلاً من أن يكون العمل في الاتحاد تطوعاً! رغم ذلك أنا أسأل قيادة الاتحاد كيف تقبلون ما حدث من مهزلة يندي لها الجبين؟! كيف تقبلون وتحت سمعكم وبصركم أن يتدافع اللواء والعميد والقومندان مع النساء الأرامل والأولاد والبنات في داركم، ثم تتنصلون من المسؤولية بأن الأمر بيد ادارة الخدمات؟! أما اخوتي وزملائي وقومنداناتي من المتقاعدين فإني أعلم أنكم كنتم أطهر وأشرف وأنبل الرجال ممن عملوا بالشرطة، وإلا لما اضطررتم للحضور لصرف تلك المنحة ولكني ألومكم على قبول صرف تلك المنحة بتلك الطريقة غير الكريمة.. ومن باب المناصحة أقول لكم:- أولاً: (تجوع الحرّة ولا تأكل بثدييها). ثانياً: (لا تسقني كأس الحياة بذلة ٭ بل اسقني بالعز كأس الحنظل). ثالثاً: (ومن يهن يسهل الهوان عليه ٭ ما لجرح بميت إيلام). وختامه مسك قال تعالى في محكم تنزيله: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).