تبقى معضلة الولاة هي التي تقصم ظهر الحكومة كما كانت سببا مباشرا في انقسامها من قبل فيما عرف فيما بعد اعلاميا بصراع (القصر والمنشية) ، بين الرئيس عمر البشير رئيس الجمهورية والدكتور حسن عبدالله الترابي رئيس المجلس الوطني (البرلمان) وأدى الاتجاه الى انتخاب الوالي مباشرة وفقدان السيطرة عليه مركزيا الى ان ينقسم الحكم الى فريقين كان في البداية هو (القصر والمنشية).. القصر يشير الى مكان مكتب رئيس الجمهورية و(المنشية) تشير الى مسكن رئيس المجلس الوطني وقتها د. حسن الترابي، ثم تطور بعد ذلك الى (الوطني) و(الشعبي).. وبعد الاستعدادات للانتخابات التي جرت 2010م، بعد توقيع اتفاقية السلام والتي اشارت الى انتخاب الولاة بذل المؤتمر الوطني جهدا كبيرا في ان يختار اسماء تحقق الفوز وتضمن له الاستقرار في مسيرة حكم الولاية فيما بعد الفوز ولمدة اربع سنوات هي نهاية اجل الانتخاب.. ولكن اختيارات المؤتمر الوطني لم تجد (الرضا) من القواعد ، وحصلت احتكاكات ومشاكل وتكتلات بسبب اختيارات المؤتمر الوطني الامانة العامة لهذه الاسماء التي لم تجد الدعم اللازم من القواعد المنتخبة مثل اختيارات ولاية شمال كردفان والنيل الازرق، واضطر الحزب الحاكم ان يخضع لرغبات القواعد ورغم تصريحات نافع قبلها: (قال الزعلان يبلع بندول).. واستجاب الحزب واستبدل فيصل بزاكي الدين في شمال كردفان، ورجح فرح عقار على غيره من المنافسين له في المؤتمر الوطني على ولاية النيل الازرق .. واليوم وبعد مضي نصف المدة المقررة والاجل المحدد وهي اربع سنوات نجد مسيرة الولاة لم تكن كما يريد الحزب الحاكم، وادخلته في مشاكل حتى الذين اختارهم بمحض ارادته وقدمهم على كثير من اهل العلم والخبرة، ويبقى الامر تجربة ناقصة تحتاج المزيد من الوقت حتى يصل فيها الامر الى وضع تستقيم فيه الامور ولكن مع الصراعات الداخلية والتحديات الخارجية فإن الوقت لن يسمح لمعالجة تلك الهنات والاخطاء والتي تأخذ وقتا اكبر في المعالجة.. واليوم نأخذ في هذه الساحة اربعة من الولاة غادروا مناصبهم قبل ان تكتمل مدة انتخابهم او دورتهم المقررة بأربع سنوات، ونحت في هؤلاء الاربعة اسباب مختلفة في ان يغادروا مواقعهم قبل اكمال مدتهم.. وقد يكون جزءا من اعتبارات الاختيار هي جزء من مشاكلهم التي ظهرت بعد ذلك.. ويمكن ان نرى من هؤلاء الاربعة مثالا لاختيارهم وفق تلك المعايير والتي كانت في ذات الوقت مشكلة بعد ذلك.. ومن هؤلاء الاربعة الذين غادروا مناصبهم قبل اكتمال المدة هم كرم الله عباس الشيخ والي القضارف ، مالك عقار والي النيل الازرق، وعبدالحميد موسى كاشا والي جنوب دارفور، وفتحي خليل والي الشمالية.. واذا نظرنا في اسباب المغادرة لهؤلاء الاربعة، نجد ان الاول وهو كرم الله عباس الشيخ والي القضارف قد اجبر على (الاستقالة) من منصبه بعد ان تصاعدت المشاكل بينه وبين المركز وبين طموحاته، وتبنيه لقضايا آخر اختصاصه كوالٍ. اما الثاني فهو مالك عقار والذي (تمرد) ثم اقاله الرئيس واعلن حالة الطواريء في الولاية وتعيين حاكم عسكري هو اللواء يحيى محمد خير والذي تولى قيادة الحرس الجمهوري بعد ان كلف الرئيس اللواء (م) الهادي بشرى، والذي ظل حتى الآن يمارس دوره كوال دون التقيد بالقوانين والدساتير التي تحكم المنصب، ودون الحديث عن انتخابات جديدة لمرشحين جدد للمنافسة على منصب الوالي كما يتجدد الحديث من حين الى آخر عن هذا الامر في ولاية القضارف. اما الوالي الثالث هو عبدالحميد موسى كاشا والي جنوب دارفور المنتخب والذي اقتضت التطورات في سلام الدوحة ان يقسم الاقليم الي خمس ولايات بإضافة (شرق دارفور) و(وسط دارفور)، وكانت الترتيبات تقتضي ان يذهب كاشا الى شرق دارفور لاعتبارات ترى القيادة السياسية انها مهمة، ولكن كاشا تمسك بأن يكون واليا لجنوب دارفور ورفض عرض الحكومة المركزية بأن يتولي شرق دارفور ولم يجد المركز بداً من اقالته وتعيين حماد اسماعيل حماد بدلاً منه، وتمسك كاشا بحجة (شرعية الانتخاب).. لمواطني الولاية والتي لا يمكن ان تنتقل هذه الشرعية من ولاية الى اخرى كموظفي الخدمة المدنية. اما الوالي الرابع والذي ذهب ايضا قبل ان تكتمل مدته هو الاستاذ فتحي خليل محمد، والي الولاية الشمالية والذي وافاه الاجل المحتوم يوم السبت الماضي، وهو الوالي الوحيد الذي اكمل ايامه في الحياة قبل ان تنتهي مدة انتخابه المحددة سلفا بأربع سنوات، والولاية الشمالية هي مثل غيرها من ولايات السودان لا تخلو من صراع وتحالفات داخل الحزب الحاكم نفسه رغم الحضارة الضاربة في التاريخ في عمق سبعة آلاف سنة قبل الميلاد كما يقول اهلنا في شمال الوادي، ولم تخلُ فترة الواليين السابقين المهندس ميرغني صالح وعادل عوض سلمان من مشاكل ايا كانت مع قيادات محلية داخل الولاية او قيادات مركزية في الخرطوم، وان (وفاة) فتحي خليل وخلو المنصب سيفتح باب الصراع من جديد داخل الولاية، حيث ان مراكز القوى في الخرطوم من ابناء الولاية سيكون لها يد طولى في تحديد من يحكم هذه الولاية ومن الصعب جدا ان تجد الحكومة المركزية شخصية توافقية مثل الاستاذ فتحي خليل والذي شهد له الجميع بأنه (عفيف) اليد واللسان، وانه اعطي منصب الوالي حقه تماما، ولعل آخر شهادة في ذلك الامر ما قاله د. نافع علي نافع ان فتحي رفض الترشيح لهذا المنصب ولكن اجبرته القيادة وقبل على مضض استجابة لطاعة ولي الامر، وذكر نافع انه شخصية امينة رفيعة تجولت في عدد من الولايات .. وقال نافع انه لم يجد واليا اعطى الولاية حقها تماما غير فتحي خليل. ويبقى السؤال بأية شرعية يحكم ولاة الولايات التي غادر ولاتها المناصب بسبب الاقالة او الاستقالة او التمرد او الوفاة.. هل ستظل الحكومة تجرجر الامر حتى يكمل المكلفون بقية الاربع سنوات.. ام انها تجري انتخابات في هذه الولايات التي تحكم بالتكليف من قبل رئاسة الجمهورية ؟. ان الامر يحتاج لتثبيت التجربة واجراء انتخابات جديدة على الاقل في ولايتي القضارف والشمالية.. ام ان الحكومة فقط تنظر ايضاً الى التكلفة المادية لهذا الامر..؟!!