عدنا والعود احمد بعد اجازة قضيتها في ربوع الوطن بين الاهل والاحبة، فرغم ما حفها من معاناة وركض الا ان المحصلة النهائية «بلادي وان جارت علي عزيزة واهلي وان ضنوا علي كرام». زرت مستوصفاً يصنف ضمن المستويات الراقية.. اول ملاحظة ان موظفة الاستقبال تأخذ نقودك لتستبقيها بحجة «لا يوجد صرف»، وتوجد به عدد هائل من الغرف، والموظفون لديه ينتعلون «شباشب حمام»، ولا يوجد اختصاصي الآن!!! طبيب عام، دخلنا غرفته للكشف على طفل فوجدته يعاني نعاساً، يتكئ بصعوبة ليقوم بالكشف، تسأل ان كان الطفل المريض يعاني «مثلا» التهاب بالاذن؟، فيهز رأسه نافياً: «ما ظنيت»... ويضيف: «مش مافي مادة بتطلع؟» تجول بناظريك على مكتبه لتجد انه لا يملك منظار الأذن.. تخرج لتأخذ ما تبقى لك من ورق او «ما يسمى نقوداً»، وتخرج لتفاجأ بحفرة «بالوعة». وتدعو الله ألا يقع فيها طفل او ساري ليل او شارد فكر، وطوال طريق الرجوع للمنزل ظلت الدعوات الصالحات لا تفارق لساني حتى وصلت. وخلال زيارة أخرى لمستوصف آخر، وجدنا أن الممرض جالس يلف الشاش في الصالة بيديه العاريتين فوق الكراسي ليتابع التلفاز، وفجأة وقعت لفة الشاش على الارضية المتسخة فرفع الشاش وواصل عمله وكأنه لم يحدث شيء، ويقولون العمليات بتلتهب في السودان والجروح ما بتندمل بسرعة. مراجعات المستوصفات أخذت نصيباً وافراً من إجازتي، أذكر كذلك أن ابن اختي الطفل الصغير كان مريضاً للغاية، وذهبنا به لاحد المستوصفات القريبة، وعند الاستقبال سجلت اسمه بالرقم «3»، وجلسنا، ولاحظت ألا أحد يدخل أو يخرج، فقمت لاستفسر عن عدم حركة صف المرضى، فأجابني الموظف في برود: الاختصاصي لسه ما جاء، سألته وانا أكتم غضبي: طيب ليه ما قلت كده؟، حتى احدد انا حسب ظرفي انتظر ولا اشوف مستوصف تاني، وهنا تدخل رجل المختبر بظرافة وخفة دم فخاطبني قائلاً: يمكن ما عايزنك تمشي، شكلك ما بتحبي الانتظار، رددت عليه من بين أسناني: لا طبعاً بحب الانتظار جداً، وبموت فيه، فقد شعرت آنذاك وكأنني في سوق والبائع يتظارف ليستبقيك، وطبعاً «كباقي الناس»انتظرنا سيادة الاختصاصي ..لنكتشف ان الطفل مصاب بالملاريا «التي طاب لها السودان موطناً»، وبعد ذلك بدأت رحلة البحث عن الصيدليات المفتوحة لنجد الدواء بعد عناء متوسط، لنعود أدراجنا وقلوبنا بلغت الحناجر منا خوفاً على الطفل ومعركة الملاريا.