٭ (غرفة التحرير).. و(الإدارة المالية)، وجهان لعملة واحدة، هي عملة الصحافة التي يتداولها الناس كل صباح. ٭ وما دام لا (قرش) بلا كتابة ولا شلن بلا طرة، فلا صحيفة بلا غرفة تحرير، ولا صحيفة بإدارة مالية وفقط. ٭ ومع اختلاف غرفتي التحرير والإدارة المالية، من حيث النشأة والثقافة، والمنهج والإسلوب، والأهداف والغايات، إلا أنهما مطالبان معا بتقديم خدمة واحدة، تستجيب لاشتراطات واستحقاقات الغرفتين. ٭ قال جيمس كيري، أستاذ الصحافة الدولية في جامعة كولومبيا: إن الاسم المتداول للصحافة الأميركية هو (المُعلِن)، ويجب أخذ هذه التسمية بالمعنى الحرفي للكلمة، فليس المقصود هو المساحات المخصصة في الصحافة للإعلان، وإنما المقصود أن هدف الصحافة كان واحداً: وهو الإعلان عن بضائع المصانع وأسعارها وكمياتها وجاهزيتها. ٭ يصدق هذا الحديث على الصحافة الاقتصادية والرياضية والاجتماعية، ويصدق أيضاً على الصحافة السياسية. ٭ فالصحافة السياسية ليست ببعيدة عن فهم (المُعلِن): فالمصدر المالي للمخبر، هو مصدر الأخبار للممول. ٭ في الصحافة (الحزبية)، ليس بمستغرب أن يتحمل الحزب (المُعلِن)، فاتورة نشره لأخباره والترويج لأفكاره مالياً، مهما بلغت (التكلفة) أو الخسارة. ٭ ويبدو الأمر أكثر حرجاً وحساسية، لما يسمى بالصحافة المستقلة، هذه الصحافة التي يجب عليها أن تقدم خدمتها لقارئها، من أخبار وتعليقات وتحليلات، بعيداً عن (الإعلان)، وإن قربت حيناً من ساحة (الترويج) وأن تحتفظ لمنتوجها بقوته المالية، حتى يستمر ويتطور، وإن أدى ذلك في أحايين إلى إرهاق القارئ بتسعيرة جديدة، أو إجراء ترتيبات إدارية، من شأنها أن تطيح ببعض من منسوبيها إلى الشارع، أو في أحسن الأحوال تضعف من امتيازاتهم وحوافزهم. ٭ الناظر المدقق للصحافة السودانية، يجد أن نشأتها لم تكن معنية بالمعادلة الاقتصادية في الإنتاج والتوزيع، فرسخ في المفهوم العام أن الصحافة رسالة. ٭ ومن الواضح أن الظروف قد ساعدتها، في أن تكون صحافة رسالية، بعيداً عن الحسابات التجارية. ٭ أما الآن، فالواقع يشير بجلاء، إلى أن هذه الصحافة التي بدأت رسالية، ليس أمامها إلا أن تسير في خط الصحافة العالمية، والذي يتعامل مع الصحافة باعتبارها (منتج)، مرهون بالعملية التجارية وبحسابات الربح والخسارة. ٭ في ورشة عقدت بالخرطوم تحت عنوان (إعلام ومنتجون)، تم التعامل مع المنتج، باعتباره المحتوى، وليس الصحيفة.. المحمول وليس الحامل، وهذه مرحلة، قد لا تعنينا الآن، ولكن بالقطع قادمة يوماً. ٭ دعونا الآن، نتعامل مع الصحيفة باعتبارها منتجا، هذا المنتج يتداوله الناس كل صباح، (بقرش صاغ)، له وجهان: طرة وكتابة - غرفة تحرير وإدارة مالية. ٭ (نواصل)