«فاتكم القطار.. فاتكم القطار» كلمة اشتهرت عن رئيس اليمن السابق علي عبدالله صالح يصف بها مناوئيه، وهي من أشهر كلمات الربيع العربي ولا تتفوق عليها إلا كلمة التونسي الذي قال «هرمنا» أو كلمة القذافي الأشهر «زنقة...زنقة». فهل لما تنازل الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني طواعية عن الإمارة وأعطاها لابنه الأمير تميم اختار طواعية أن يفوته قطار السلطان لأسباب أشهرها قوله: «إنه يريد للشباب أن يحكم». وبالمناسبة فإن الشيخ حمد من أشب الشباب إذا ما قورن ببعض «أنداد نوح» من الملوك والأمراء الحاكمين حالياً فى الخليج. ولكن الأمير ظل وعلى مدى الثماني عشرة سنة التى حكمها حاكماً وشخصاً مختلفاً عن كل من حوله، حتى إنه أثار غيرة المصريين والسعوديين لما زاحمهم بالمناكب على قيادة الأمة العربية التى كانت سجالاً بين مصر والسعودية لأجيال خلت. وظل الجميع مندهشاً من هذا الشاب الذي يحكم بلاداً صغيرة الحجم الجغرافي جعلها كبيرة بجرأته واقتحامه ومروءته والتزاماته واتفاقاته وآفاقه الرحيبة الواسعة ومهاراته الغريبة التي جعلته يبدو كحاوى السياسة الذي يلعب بالبيضة والحجر وهو يضحك!! نعم فهو يسمح بإقامة قاعدة عسكرية أمريكية في بلاده، ويسمح بعلاقة غير معلنة مع إسرائيل، ويعطى الذئب الأوروبي كل ما يحتاجه وفوق ما يحتاجه من غنم مأكله حتى لا يلتفت إذا جاع فيأكله هو وبلاده قطر. ويأذن بعلاقات متميزة مع الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران «قبل موضوع سوريا» والهند، ومع ذلك يعمر غزة ويساعد السودان ويقف مع مسلمي ميانمار والصومال، ويهيئ المناخ لمقاتلي طالبان في قطر للتفاهم مع الأمريكان وإن لم يكن برضاء حامد كرزاي... وتنشأ في بلاده قناة الجزيرة إحدى أدوات التغيير الكبيرة على نطاق الإقليم والعالم. ويفعل باختصار الشيء وضده، ويجعل بلاده كاسم عاصمتها دوحة من أظل دوح العالم المتحضر.. يفعل كل ذلك في تواضع وفي تلقائية وشجاعة وفهم وفلسفة وسخاء غريب!! من هو هذا الرجل؟هل هو أحد أولياء الله الصالحين؟أم هل هو أحد أعوان نبي الله الخضر؟أم هل هو توطئة للمهدي المنتظر؟ أم هو من أحفاد أحفاد حاتم طى.. ولا استبعد حتى ان يقول عنه بعض الناس إنه عميل مشترك، وإن بطولته بطولة مأذونة في حدود وهامش مدروس. والآن تنازل وهو في كامل صحته وحيويته وشبابه لابنه، لأنه يريد للشباب أن يحكم، وكأنه يقول في تفكير غير مسبوق: «فعلت كل ما استطيع.. تعالوا أكملوا أنتم»!! سيقولون: ربما أنه مريض.. سيقولون ربما أنه مجبر من داخل اسرته على التنازل.. سيقولون ربما أنه مجبر من أقوياء الخارج على الذهاب بحسب حساباتهم التى لا تعرف صديقاً دائماً بل مصالح دائمة.. سيقولون ربما أن بشار الأسد هو الذي أسقطه خاصة بعد معركة القصير التي هزمت فيها المعارضة التي يسلحها الأمير السابق.. سيقولون وسيقولون ولكن يبقى لغز الأمير حمد بن خليفة آل ثاني من أشهى ألغاز العالم الحديث لكل من يحاول أن يفك طلاسمه. ومن الأولى لنا أن نلتزم بحكمة عمدة الرباطاب العمدة حاج رحمة حاج بشير الذى يروى نسيبنا المرحوم العم عبد العزيز بابكر الرباطابي، أن هذا العمدة كانت له علاقة مفاكهة مع المفتش الإنجليزي بمنطقته، وأن العمدة شاخ وكبر وقررت الإدارة الإنجليزية استبداله بابنه ليكون عمدة في مكانه، وأن الخبر يظن المفتش الإنجليزي أنه مازال سرياً، ولكن طبعاً ليس في السودان سر. فلقي المفتش الإنجليزي صديقه العمدة حاج رحمة حاج بشير في الصباح فتبادلا التحية.. فقال العمدة للمفتش الانجليزي: خبر خير؟ فرد عليه المفتش الانجليزي في نشوة وفرح المنتصر: لا مش خبر خير... خبر شر!! فقال العمدة: وما ذاك؟ قال المفتش الانجليزي: إنت مشيول من العمودية! فضحك العمدة وقال: نان يا فالح السووه عمدة دا ولداً ليك؟! وضحك الرجلان وافترقا.. أيكون الخواجة قد سجل ذلك في مذكراته؟! آخر صورة رأيتها في التلفزيون للأمير السابق هي صورة: يمينها هو وشمالها ابنه الأمير تميم، وفي وسطها الرئيس عمر البشير أول من هنأ بالوضع الجديد والكل يضحك!! يا ترى ماذا يريدون أن يقولوا للعالم؟