غريبة هي الحياة لا شيء فيها يدوم على حال واحد، فهي متقلبة ومتشابكة، ولا ندري متى تضحك لنا ومتى تضحك علينا. وما أصعب أن تنقلب علينا دنيانا ونحن في قمة الإحساس بالسعادة والامان، فتدير لنا ظهرها وتفاجئنا، فليس هناك شيء مضمون. وصلتني رسالة من السيدة «ن» تحكي فيها قصتها التي بدأت عندما كانت طالبة بالجامعة، وتعرفت عليه وشعر كل منهما بانجذاب نحو الآخر. وتطورت العلاقة ووصلت مرحلة الحب، ورسما وخططا مستقبلهما معا، فهو طالب مميز فيه كل مواصفات الزوج النموذج مع حبه الكبير لها، فأسمعها كلمات الحب ووعوده. وتخرج في الجامعة وحظي بفرصة عمل، وما أن استقرت أموره حتى تزوجا، ولم تكمل هي دراستها فقد شُغلت بالبيت والأبناء وتوفير الراحة والأمان والدعم النفسي والتشجيع لزوجها. ومرت السنوات وتحسنت أوضاع الزوج وصار يسير من نجاح إلى آخر، وازدادت سعادتها بتحقيق نجاح الزوج الذي اعتبرت نفسها جزءاً منه. وتبدلت أحوال الزوج وحلت محل كلمات الحب والشوق والإطراء انتقادات، فما كان يفتح فمه إلا لنقدها نقدا هداما كأنها شخص آخر. وعلمت سبب التغير، فقد تزوج بأخرى سرا، ولم يجرؤ على مصارحتها.. وهي الآن في حيرة من أمرها لا تدري ماذا تفعل بعد أن فقدت ثقتها بنفسها. وأقول لها يا سيدتي الحياة قاسية ومتقلبة ولم تعد كما كانت، فهوني على نفسك واعتبري ما أنت فيه تجربة أو اختباراً.. وشعرت من رسالتك انك لازلت تحبينه، فلا تكوني قاسية على نفسك ولا تخطئ خطأً كبيراً بحق نفسك أولا وحق عائلتك، ولا تجعلي لكلمة الكبرياء أو الكرامة صوتا عاليا، فتتصرفين كمراهقة وتهدمين أسرتك وتخسرين سعادتك. فكل ما تحتاجينه في هذه المرحلة هو الصبر والذكاء وليس اي نوع من الذكاء.. إنه ذكاء الأنثى الممزوج بالدهاء وتوظيفه في مكانه الصحيح. وعليك عدم مصارحته بما علمت حتى يصعب عليه الأمر، فلا يصبح أمرا واقعا عليك قبوله والتعايش معه، فعوضا عن استراقه الساعات التي يقضيها معها ستصبح أياما بمباركة منك، فبمواجهته سيكون اعترافك بها، وتصبح لها نفس الحقوق، وستوفرين عليه جهد الكذب والمراوغة.. حكمي عقلك أكثر ولا تحكمي على أطفالك بالشتات. ولا تحطمي معبدك بيديك وأنت لم تكملي تعليمك بعد، فالحياة لم تعد كما كانت، فكل من سيدعمك دعما مادياً أو معنوياً اليوم تعاطفا معك سوف لن يكون لديه الوقت لكِ في الغد.. فلا تدعي انفعالك يعميك عن الواقع، واستمري في حياتك بمفهوم جديد، فقومي بواجبك تجاه زوجك على أكمل وجه، ولا تلقي بكامل اللوم عليه فقد تكون هناك دافع وراء هذا الفعل.. فراقبي تصرفاتك عن قرب.. وكوني مرآة لنفسك، وابحثي له عن دافع، ولا تشركي طرفا ثالثا لعدم التأثير عليك، فأنت صاحبة القرار، والمشكلة أنك بحاجة إلى التغيير من الداخل والخارج معا. واهتمي بنفسك ومظهرك أكثر، وقوي ذاتك وأكملي تعليمك وطوري نفسك واشغلي أوقات فراغك في تعلم أشياء جديدة، ولا تدعين يوما يفوت دون أن تضيفي فيه إضافة لذاتك، وتعلمي اللغات، وإذا كانت دراستك الجامعية غير مرضية لك اتجهي إلى مسار آخر تجدين فيه نفسك، لتفعلي أشياءك عن حب وليس أداء واجب، لتسعدي وتستفيدي، وثقي بنفسك وحققي طموحك وأحلامك بنفسك، ولا تتبني أحلام الآخرين ولا تذوبي في شخصيته حتى تستطيعين الوقوف وحدك.. وفي ظل كل ذلك إذا كانت هذه العلاقة مجرد نزوة فحتما ستزول، لأنك بمزيد من الحب والتفاني والاهتمام ستجعلينه يقف أمام نفسه إذا كنت تستحقين منه هذا التصرف. أما إذا كان ذلك كذلك فلن تخسري شيئاً، بل ستكسبين نفسك الجديدة وذاتك وشخصيتك القوية التي بها ستكونين سيدة الموقف، وسيكون الخير لك هذه المرة وأنت تقفين على أرض صلبة معتمدة على نفسك في مواجهة الحياة بأبنائك، قادرة على السير بهم نحو بر الأمان، فلا ترضين بشخصية المرأة المستكينة المغلوبة على أمرها الداعية للشفقة.. فكوني أقوي من ذلك ولا تدعين ظروفك تقهرك وتكسرك.. أعلني تحدي الذات وقوي نفسك من الداخل، ولا تفقدين الثقة بنفسك فهي بداية الطريق لضياعك وضياع أبنائك، فدافعك اكبر بوجودهم في الحياة، فأنت من اختار فتحملي خيارك في إنجاب أطفال لا ذنب لهم في كل ما يحدث.. اصبري وسوف تجدين ما أنت فيه عبارة عن تجربة، وهنالك الكثيرات في مثل ظرفك تعرضن لما تعرضت له. لكن المرأة الذكية هي التي تحول خسارتها إلى مكسب، ولا تترك نفسها فريسة للحيرة والألم... فالحياة لا تنتظر تضميد الجروح، فالحقي بركبها ولا تكونين مستسلمة.