إن تطعيم التشكيلة الوزارية الجديدة بدماء الشباب ينم عن رغبة أكيدة في التغيير والإصلاح ولذلك استبشر كافة المراقبين خيراً وتوقعوا نجاحاً باهراً تستقبله البلاد في المرحلة المقبلة خصوصاً في مجال الثقافة التي زينها متخذ القرار بإختيارٍ صادف أهله حينما سمى السموأل خلف الله القريش وزيراً أولاً لها ، والسموأل رقم في عالم الثقافة والمعرفة لا تخطئه العين او الاذن لمن سمع به او استمع له وله اسهامات مقدرة منذ ان كان ناشطاً كرئيس لاتحاد الطلاب السودانيين بجمهورية مصر العربية والازهر الشريف ثم ناشطاً في منظمة شباب البناء ومؤسساً مع آخرين لمنظمة نمارق للآداب والفنون ثم أميناً عاماً لبيت الثقافة ومنها الى الامانة العامة للثقافة والفنون بوزارة الاعلام إضافة الى اسهاماته الادبية والثقافية المتعددة كمؤسسة اروقة وبرامجها المتنوعة . ان اختيار رجل بمواصفات مطابقة لما يناط به من تكليف يؤكد ان متخذ القرار توصل بعد تجارب مريرة انه لا بديل عن مقولة ضرورة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب الا تكرار المقولة نفسها ففي التكرار تعليم للصغار والكبار ، ولقد بلي الجهاز التنفيذي للدولة في السنوات الاخيرة برجال لا تناسبهم الوزارة وليسو مناسبين لها ولذلك اقعدوا بمصالح البلاد واضروا بمقدراتها ومكتسباتها وأهدروا مواردها فيما لا فائدة منه ولم يقدموا شيئاً اللهم الا على الصعيد الشخصي لأنفسهم بالتمرغ في المخصصات والإمتيازات ، وغاب السودان عن التمثيل في المحافل الثقافية العربية والاقليمية والدولية غياباً لم تجمله المشاركات القليلة الخجولة الضعيفة وعلى المستوى الداخلي همدت روح الابداع ودخل المبدعون في مائة عام من العزلة ولم يهتم بهم أحد وهم يعالجون الفقر و الامراض وامتحانات الدنيا وضيق ذات اليد ولم يزرهم زائر حتى سكنوا المقابر . والطامة الكبرى انه مع موات الشعور بالثقافة القومية الجامعة لأهل السودان المميزة لأعراقهم وإثنياتهم دون تمييز تنامت بالمقابل ثقافات جديدة بغيضة تدعو الى العنصرية وإحياء النعرات القبلية والجهوية وكراهية الآخر ، وظلت وسائل الاعلام الرسمية ومؤسسات الدولة الثقافية والعلمية والادبية والفنية جامدة جمود جبل الجليد لا تحرك ساكناً لأن بعض شاغلي المناصب الدستورية في شغل شاغل عن الكارثة بجمع الحطام ومعاقرة الاوهام ولذلك جرت تحت جسر السنين مياه كثيرة غير صالحة ومن المهم الانتباه الى ماهية الرسن الذي تقاد به البلاد الى اتجاهات مجهولة بالتركيز على الهوية والثقافة السودانية العريقة . واختفت معارض الكتاب السوداني ، ونسيت الاجيال الحالية أسماء الرعيل الاول من الكتاب السودانيين امثال محمد ابراهيم ابو سليم وملكة الدار وجمال محمد احمد وفطاحلة السودان من الادباء والشعراء والروائيين والقصاصين ، وأوي بعض عشاق الثقافة السودانوية الاصيلة الى اركان منزوية يعبرون فيها عن ما يجيش بدواخلهم ، ونوادي خاصة تضم اسماء ووجوهاً يعلم اصحابها انهم يقفون خارج الزمن ، ومراكز ثقافية تحمل لافتات كتب عليها ( مثقفون وتجار ) وكل ذلك نتيجة لسقوط الدولة في امتحان الثقافة وتعويلها على نظرية الفوضى الخلاقة وسياسة فرق تسد وضرب سياجاً من الاهمال على العملية برمتها مع التركيز علي محاصرة المبدعين بحبال وحبائل السلطة . مرحباً بالسموأل خلف الله القريش وزيراً للثقافة ونأمل ان يقوم بدور ( القائم ) والمنقذ من ورطة اللحظة الكبرى التي تتبدى فيها عملية مقاومة مخططات تقسيم السودان على اسس التنوع العرقي والثقافي ومن المهم الاشارة الى ان عملية انقاذ الهوية السودانية الجامعة يبدأ من وزارة الثقافة والدور الكبير الذي يمكن ان تلعبه بإسترجاع إكسير الوحدة الأزلية التي تزين هامة هذا الوطن الكبير ..وبالله التوفيق .