اليك أكتب يا متقد الدم يا عالي الهمة عندما تحتاج أن ترفع شيئا لابد أن تنحني فما فعلك عندما تحتاج أن ترفع وطنا أن ترفع حلما أن ترفع ماضياً لآباء تعتز بهم وتفخر، حاضر لك تحيا فيه، وغد لصغارك الذين تحبهم وتحلم بهم، أليس هذا أجدر بالانحناء من محفظة النقود ومفتاح السيارة وامرأة الجيران عندما تعثرت لانك شهم أو جبان لا فرق؟ .. دائما ما تبعث فكرة الانحناء فينا معاني الضعة والضعف والانهزام مع إننا لو أقلقنا الفكر وأزعجناه لينهض من سباته المداري وأعملناه فيما يصلح حالنا ويبين مواطن الخلل فى حياتنا لقال لنا إنكم يا أهل السودان تنحنون لكل شئ بل إن حياتكم ماهي إلا حالة من الانحناء تنحنون وأنتم تفلحون أرضكم وتبذرون بذركم تنحنون وأنتم تأكلون وأنتم ترقصون وأنتم تذكرون، تنحنون ألماً وطرباً وحزناً ولهفة لطفلة مهرولة ترفع يداً تواقة لشئ ملون، لكنكم ابداً لا تنحنون للوطن. الوطن اليوم مأزوم واهن وهين كما هانت على أهلها كرمة قبل أن تنقض عليها جيوش تحتمس الثالث لتقضي على أول حضارة سودانية مكتملة الشخصية، كحال مروي قبل أن تجتاحها أكسوم وأمدرمان وهى تنكسر بالمكسيم. الوطن يحتاج أن ننزع عنا ريش الطاووس المزركش وننحني، أن نتخلص من كبريائنا وذواتنا المتضخمة كالطوحال المتقيح وننحني، أن نتخلى عن ايديولوجياتنا السقيمة وعصبيتنا العقيمة وننحني، أن نتنازل ولو مؤقتا عن مراتبنا الاجتماعية وصراعاتنا الطبقية ومشاريعنا الحضارية، وننحني لنلتقط الوطن، فلو لم نفعل لن يجد يميننا ارضاً يعد بأنها ستكون ارض الرسالة العالمية ولن يجد يسارنا مجتمعاً يقايس عليه جنة لينين الاشتراكية لن يجد الوسط وسطاً ينتمى اليه ويعبر عنه حتى جهوياتنا لن تجد الجهات التى تثور بإسمها وتتمركز حولها، لن يجد أهل دارفور داراً ولا فوراً لن يجد أهل البحر الاحمر لا بحراً ولا أحمر ولكنهم حتما سيجدون على الشفاه الملح واللعنات.. لن يجد أهل الشمالية شمالهم الذى يفاخرون به بل سيصبحوا جنوب الصعيد وسيفرح (الصعايده) لوجود فئة اخرى تنوب عنهم في تحمل السخرية والاستهزاء والتندر إذا لم ننحن للوطن فلن نجد ما يستحق أن ننحني من أجله بل لن نجدنا نحن ومن نحن بلاد السودان هذ البلد النعمة التى تحسدنا عليها شعوب الأرض تحسدنا على نيلنا وصحرائنا، على زرعنا وضرعنا على اتساع رزقنا، تحسدنا على فتوة صبياننا وجمال بناتنا وحكمة شيوخنا. إخوتي جميعا وأخواتي سادتي وسيداتي لا أجد فى نفسي الحرج إطلاقا لأقولها لكم وانا منحني : فلننحن للوطن ابراهيم أحمد الميرغني