عندما تريد أن تجرب أطعمة الشوارع في بكين، فإنك لن تجد أفضل من شارع "وانغ فو جينغ"، ما عليك إلا أن تأتي بعقلٍ مُنفتح، ومعدة مصفحة، وجرأة بلا حدود، وحينها ستكون بحاجة لشجاعتك أكثر من مالك، فهنا كل شئ يتوفر بدءاً من الزواحف المشوية والمقلية وانتهاءً بالفواكه، ويمكن أن تحصل على وجبة فخيمة مقابل القليل من الدولارات لتتذوق كما تشاء وليس كما تشتهي. (2) ثمة مقولة ذائعة الصّيت عن علاقة الصينيين بالطعام مفادها "إنّ الصينيين يأكلون كل ما يقف على أربع إلا طاولة الطعام، وكل ما يطير في السماء إلاّ الطائرة، وكل ما في البحر إلاّ السفينة"، فالحقيقة هي أنّ الطعام في الصين متنوع بشكل لا مثيل له في أيِّ مجتمع آخر، وفي أسواق الخضار واللحوم والدواجن الصينية ترى أنواعاً من الخضراوات ربما لا تُؤكل في مكان آخر غير الصين. (3) يَقف جينغ مُبتسماً أمام إناءٍ كبيرٍ يخرج منه العقارب المطهية ليُقدِّمها إلى الزبائن الذين يحتاجون بالفعل إلى قدر كبير من الشجاعة؛ كي يستطيعوا تناول هذا الكائن الذي اعتادت أغلب شعوب العالم الفرار منها ومن رؤيتها حتى من بعيد، فيما تتوفر أطباق التوفو و(المخاصي المشوية) جنباً إلى جنب مع الكعك المخبوز على البخار والزلابية الشعبية، كما يُوجد تشكيلات مُتنوِّعة من المأكولات البحرية واللحوم في الشارع، حيث تُحظى لحوم الخراف المشوية على أعواد بشعبية كبيرة، إلاّ أنّها لا تتفوّق على العقارب التي تجذب اهتمام الزُّوّار بأحجامها الكبيرة وحركتها حتى داخل القدور. (4) العقارب يتم تربيتها في مزارع خاصة لهذه المطاعم، أو قد تستورد من دول أخرى كالسودان بنحو 55 دولارا للكيلو، ويكلف عود مكون من أربعة عقارب في "وانغ فو جينغ" ببكين نحو "7.5 دولارات"، مما يجعلها واحدة من أغلى الأطعمة في الشارع، وإذا لم يعجبك مذاق العقرب، فتأكّد أنّك ستجد ما يعجبك، فالأمر بالتأكيد لا يقتصر على وجبات العقارب؛ فمن السهل العثور على وجبة مميزة من الثعابين وكلاب البحر.! (5) بالمُقابل، تتنافس ديدان القز المقلية والخنافس المُحمّرة، ونجم البحر المقلي على زيت سمك القرش على الفوز بلقب ثاني أكثر الأطباق شُهرةً، أما الطبق الأشهر فهو "حساء عش الطيور، ويُصنع هذا الطبق من أعشاش طائر معين يُصنع أعشاشه في جنوب شرق آسيا مُستخدماً لعابه الخاص عوضاً عن الأغصان والقش، ويتطلب حصاد الأعشاش مهارة كبيرة في التوازن على أعواد الخيزران للوصول الى الكهوف المُظلمة، وللحساء طعمٌ رائعٌ أجمل من تسميته، وقد ازدادت شعبيته حول العالم بسبب استخدامه كمنشط للصحة، كما أنه مُثير للشهوة. (6) على ذات السياق، يتصاعد البخار من "القدور" التي يغلي فيها حساء العقارب والثعابين، في الوقت الذي انتشر فيه الباعة أمام المتاجر يحاولون إغراء المارة بالدخول إلى المطعم لتناول هذه الوجبة المُثيرة مقابل عدة "يوانات"، وكما لو كانت شوارع هذا السوق التجاري قد تحولت إلى كرنفال للأطعمة غير التقليدية بالنسبة للكثيرين حَول العالم حيث يُطارد الباعة المارة بأطباق الطعام المُثيرة لإقناعهم بإتمام الصفقة، في الأثناء تتقلّب "حناجر الماعز" المزينة بالفلفل الأحمر على النار، وأسياخ فرس البحر أو الخنافس أو حتى دودة القز، على ضوء أنوار فسفورية لتعرض قناعاتك السابقة للتزلزل. (7) من جانبهم، يقول العاملون في هذه المطاعم إنّ معظم زبائنهم من الصينيين وإنّ الفضول يدفع السياح للقدوم إليهم، إلاّ أنّ قلة منهم تمتلك الشجاعة لتتذوق هذا الطعام، ويشيرون الى أنّ هذه الأطعمة مغذية وتحتوي على قدر كبير من البروتين والكربوهيدرات، قبل أن يعرض علينا أحدهم تذوق عينة من حساء "مخ الكلاب"، وحينما اعتذرنا له قدم لنا كبد كلاب بالخضروات!! ويحاول المرشدون السياحيون الإشارة إلى أن الأوقات العصيبة التي مر بها الشعب الصيني ودفعته لتناول كل شئ عززت مثل هذا النهج الغذائي، مُشيرين إلى أنّ بعض الصينيين لا يزال يقول حين يريد تحيتك: "هل أكلت؟!"، هذا فضلاً عن شرح الفروقات الثقافية بين العالم، لافتين إلى أن الرومان كان يحبون ألسنة طائر الفلامنغو، والأوروبيون حتى وقتٍ قريب كانوا يحبون تناول كبد الأوز، أما الأمريكان فكانوا يُفضِّلون لوقتٍ قريبٍ تناول (خصى الغزلان).!