محكمة النظام العام بأم درمان برئاسة القاضي طلال صديق برَّأت أمس المتهم الأول تلميذ الشيخ الصائم ديمة ومتهمين آخرين وسبع سيدات، كان يواجهون تهمة الدجل والشعوذة من قانون النظام العام لسنة 1996م، وذلك لعدم كفاية الأدلة ضدهم، وذلك لأن البينة المقدمة لم تُثبت إدانة المتهمين، كما أن هنالك شكاً فُسِّرَ لصالح المتهمين في البلاغ، بالإضافة إلى عدم ثبات الركن المادي للجريمة. ونص القرار على شطب الاتهام الموجه لهم استناداً على نص المادة 141 من قانون الإجراءات الجنائية، وأن يُطلق سراح المتهمين فوراً ما لم يكونوا مطلوبين في بلاغات أخرى. مادة الاتهام قاضي المحكمة ناقش مادة الاتهام الموجهة للمتهمين تحت المادة (22) "ممارسة الدجل والشعوذة"، من قانون النظام العام، ونصت على أنه لا يجوز لأي شخص ممارسة الدجل والشعوذة، وثبت من خلال البينات التي قدمها الاتهام أنه لم يتم القبض على أيٍّ من المتهمين وهو يقوم بممارسة الدجل أو الشعوذة، وبذلك لم يثبت الركن المادي للجريمة، وقال القاضي: "أفاد شاهدَا الاتهام خلال الجلسة السابقة، بأنهما عثرَا على المعروضات (البخرة والمحاية) بجوار المتهم الأول، وأنهما لم يشاهدا المتهم يُمارس أياً من أعمال الدجل والشعوذة. وكذلك لم يستطع شاهد الاتهام الأول تعريف كلمة (دجل) للمحكمة؛ أما شاهد الاتهام الثاني فأجاب عن الأسئلة خلال الجلسات بأنه لا يعرف ولا يعلم، وعرَّف الشعوذة بأنها الأعمال غير المشروعة". تفاصيل القضية وذكر القاضي أثناء تلاوته للقرار أن المتهم الأول وبقية المتهمين قُدِّموا للمحاكمة تحت المادة 22 "الدجل والشعوذة" من قانون النظام، حيث إن معلومة وردت لدى السلطات، بأن المتهم الأول يقوم بممارسة الدجل بمنزله بأمبدة الحارة الرابعة ويقع على مسافة لا تبعد عن مسيد دفع الله الصائم ديمة، وباكتمال الإجراءات القانونية، وبأمر تفتيش للمنزل داهمت السلطات المنزل يوم الحادثة وعثرت على المتهمين داخله وبجوارهم (محاية، وبخرات، وبياض) وأنه تم جمعها وإحضارها إلى قسم الشرطة أمن المجتمع بحي (الكبجاب) في أم درمان، وأُلقِيَ القبض على بقية المتهمات في جزء آخر من المنزل، ليخضعوا جميعاً للتحريات وباكتمالها أحالت النيابة الأوراق للمحكمة التي اسمتعت إلى البلاغ بالطريقة الإيجازية وتوصلت إلى الحكم أعلاه. حراسة مشددة حشود كبيرة من رجال الدين كانوا داخل وخارج المحكمة لتتخذ الشرطة إجراءات أمنية مشددة للمحافظة على النظام، حيث كانت هنالك عربتان من قوات الشرطة لمتابعة الدخول إلى المحكمة وتفتيش كافة المواطنين حتى بعد انتهاء الجلسة وصدور القرار. حضور المشايخ الشيخ الخليفة حاج نور الصائم ديمة والشيخ عبد الرحيم أبو صالح والشيخ محمد إسحاق خليفة من السجادة العركية بالخرطوم كانوا حاضرين في قاعة المحكمة، بالإضافة إلى الشيخ الطاهر، والفنان إسماعيل حسب الدائم، الذين شكلوا حضوراً في ساحة المحكمة منذ الصباح، مرتدين جلابيب بيضاء وخضراء ويحملون سبحاً ويلبسون طواقي باللون الأخضر. جواز التَّداوي بالرقية والمحاية المحامي فيصل مختار تقدم باستفتاء شرعي لهيئة علماء السودان حول مشروعية (التداوي بالبخرة والمحاية، ولبس الحجاب، واستخدام خاتم الغزالي، وحيازة كتاب خيرة الشيخ إسماعيل الولي، واستعمال الأعشاب والحلبة والخردل والصمغ العربي للتداوي)، وهل هي من قبل المشروع أم الممنوع؛ وتقع تحت طائلة الدجل والشعوذة؟ الأسئلة أعلاه أجاب عنها المفتي د.عبد الرحمن حسن أحمد حامد؛ من دائرة الفتوى بهيئة علماء السودان، حيث أكد على مشروعيَّتها وأورد عدداً من الأدلة والبراهين، وقال: (ما ذكر من وقائع في سؤال السائل هو المعمول به في العيادة الشعبية للسادة الصوفية.. ففي العيادة الشعبية يتم التشخيص والعلاج المريض بواسطة الشيخ العالم بأمور الشريعة والكتاب والسنة، وهذا نظام اجتماعي ديني عرفه أهل السودان منذ القدم، وقد يُعالج أحد الشيوخ بالقرآن، في حين يعالج آخر نفس المرض بالأعشاب والقرآن معاً، أو يُعالج هذا بالبخرة وآخر بالعزيمة). وأضاف د.عبد الرحمن: (طرق العلاج في كل الأحوال تتفق، وقد يكون الاختلاف في الشكل، بمعنى أن أحدهم يستخدم آيات بعينها دون غيرها، ويستخدم آخر آيات أخرى، وفي العيادة الشعبية يكون العلاج ب"الرقية، المحاية، البخرة، والحجاب"، وهذا أمرٌ معروفٌ عند علماء التصوُّف، وقديم قدم رسالة التصوف التي جاء بها). وأكد د.عبد الرحمن على أن هذه الطرق العلاجية لا تُعَدُّ من قبل الدجل والشعوذة، أو ما شابهها، وإنما لكُلِّ شيخٍ طريقته في التداوي، وقد ثبت ذلك بالأثر عن خيرة علماء الأمة كالإمام أبي حامد الغزالي والتلمساني والبوني وغيرهم، بل حتى من علماء السلف ما ثبت عنهم تلك الأمور. وأورد د.عبد الرحمن أقوال عدة علماء تُعضِّد ما ذهب إليه، مثل الفقيه ابن القيم في الزاد 4/326: (سألت أبا جعفر محمد بن علي أن أعلق التعويذ، فقال: إن كان من كتاب الله أو كلام عن نبي الله فعلِّقْه واستشفِ به ما استطعت. قلت: أكتب هذه من حُمَّى الربع: باسم الله، وبالله، ومحمد رسول الله إلى آخره؟ قال: أي نعم). كما قال ابن عبد البر في الاستذكار (8/396) وفي التمهيد: وكل ما يعلق بعد نزول البلاء، من أسماء الله رجاء الفرج والبرء من الله عز وجل فهو كالرقي المباح الذي وردت السنة بإباحته من العين وغيرها، وقد قال مالك رحمه الله: لا بأس بتعليق الكتب التي فيها أسماء الله عز وجل على أعناق المرضى على وجه التبرك بها إذا لم يرد معلقها مدافعة العين.. وكان ابن تيمية يكتب ذلك بإصبع يده على جبهة المريض.. وقال ابن القيم: رخَّص جماعة من السلف في كتابة بعض القرآن وشربه، وجعل ذلك الشفاء الذي يجعل الله فيه. وفي كتاب "الرعاف" كان شيخ الإسلام ابن تيمية يكتب على جبهته: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر)، وسمعته يقول: كتبتها لغير واحد فبرأ. وختم د.عبد الرحمن الفتوى، بقوله: (عليه من هذه الوقائع التي ذكرت، لا تعد من الدجل أو السحر أو الشعوذة، وإنما من قبيل التداوي الشعبي عند علماء الأمراض الروحانية).. فتوى د.عبد الرحمن هذه، أيَّده ووافق عليها د.عثمان محمد النضيف من دائرة الفتوى.