لازمت النخب السودانية في تكوينها حالة التشفي من الآخر المغاير معها سياسياً وفكرياً متى ما سنحت لها السلطة والسياسات من التمكن. لازمة التشفي هذه شقيت بها البلاد في نهوضها ولملمت شعثها أكثر من هذا أخرت كثيراً في تعثر بناء الوطن. وقسم الشاعر بعمره أن لا بلاد تضيق بأهلها لأن الوطن حالة اتساع وجداني واجتماعي فكيف بك إن كان هذا الوطن هو السودان باتساعه ورحابة سكونه أرضاً وإنساناً. لعمري ما ضاقت بلادُ بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضيق هذه المقدمة تذكره وبلادنا تعايش أفقا جديدا تحمل شعارات السلام والعدالة والتسامح، فالأمم في عهودها الجديدة تؤسس وتتسامى من أجل غايات كبار وتجارب الشعوب من حولنا شاخصة فهذا نيلسون مانديلا أيقونة النضال الإنساني من أجل الحرية. عفا وتسامى عن كل صنوف العبودية والتحقير من سياسات (الأبارتيد) لكنه غفر وتسامح وحين سئل عن هذا قال (أنا إنسان) فصارت مقولته انشودة في شفاه الإنسانية المتعطشة للسلام والمحبة. لا يختلف من عرف السياسة ودهاليزها ان شخصية مثل (صلاح قوش) كان فاعلا في الحركة السياسية السودانية والمنطقة ذلك لوقوفه وإمساكه على ملفات إستراتيجية مؤثرة سياسياً وأمنياً ليس في حدود السودان بل المنطقة والعلاقات الدولية. رجل بهذه الصفة وبهذا المكون مهما تكن درجات الخلاف معه كان لابد من السلطة الجديدة أن تجد له موقع مشاركة ومساهمة وطنية في هذا الواقع الجديد. واعتقادي أن هذا ربما يمثل خطوة جديدة في الصراع السياسي في السودان المأزوم بالثأرات والتشفي، فهل نرى صفحات جديدة في عقلانية السياسة السودانية والرجل ( صلاح قوش) ظل دوماً يؤكد من ساهم وصنع هذا التغيير باعتراف شركاء السلطة القائمة الآن من قيادات قحت والمجلس العسكري. متيقن لو حصل هذا سيكون قفزة نوعية لها ما بعدها لكنه يلزم ذلك الدخول في تفاهمات صادقة وشفافة مع الرجل (صلاح قوش) وغيره من تيقن بالواقع الجديد في البلاد. فهل يفعلها المكون السياسي الجديد نأمل ونتعشم من أجل وطن معافى من إحن السياسة وعواصفها. الآن دون ريب أو شك أن تجربة حكم قحت في الفترة الماضية بكل ما حملت من بشريات فيما يتسنم للعمل في تحقيق أهداف وبرامج الثورة هم من النخب الأكفاء دون الدخول في محاصصة حزبية أو سياسية، كان هذا ما نادت به قيادات قحت لتحقيق الفترة الانتقالية ولكن ما الذي أخل بهذه الشروط والتنكر لها، فلا الطاقم التنفيذي في غالبه يحمل كفاءة في إدارة الدولة كان يمكن أن يكون هنالك أفضل من هذا الطاقم وضعف الأداء الحكومي بائن لا يحتاج الى أدنى حصافة. ثم كانت المحاصصة أيضا شرطا أخلت به قحت، فشهدنا هرولة وصراعا حميميا نحو الوزارات والمناصب الإدارية للدولة وهذه بدايات غير موفقه أدت الى فشل في تحقيق أدنى أهداف الثورة، لهذا تأتي لزاما فتح مسار جديد للمشاركة الواسعة علي المكون السياسي في البلاد كما طالب رئيس المجلس السيادي، وآن الأوان لحكومة قحت أن تبدي الشجاعة لأقصى حد والشفافية لقواعدها أولاً ولأهل السودان بأن هنالك فشلا يتبدى في كل الأجهزة التنفيذية والعقلانية السياسية تستوجب مواجهة هذا الفشل اولاً بالاعتراف، وثانياً الدعوة لمن هو خارج قحت للمساهمة في إيجاد الحلول للمشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وحذار من اللجوء الى سياسة التنويم والإنكار لحالة الفشل وتخدير الجماهير.