اشتد الفقر وطحن الناس الغلاء طبعاً كل الذي كان في جيوب الفقراء اكتنزه الأغنياء وهي معلومة بالضرورة. لذا فرض الله الزكاة وفرضت الدول الضرائب حتى لا يموت الفقراء (فقط لا يموتون وليس من سبيل لرفاهية أو بحبحة). والضرائب في السودان يدفعها الفقراء قبل الأغنياء وما من مسؤول ضرائب إلا ويعلم ذلك وغاية جهدهم العبارة المستهلكة بلا عمل (توسيع المظلة الضريبية) لقد مَنَ الله على هذه الدولة بشركات الاتصالات التي تتحصل للدولة ضريبتها من المواطنين. هذه الضريبة كل عام في ازدياد إلى أن بلغت الآن 35%. يا للهول. وزارة الرعاية الاجتماعية كانت تختار بعض الفقراء من المواطنين. منْ قام بالدراسة لا أدري ولكنها تختار عدداً قليلاً من الفقراء وتقدم لهم دعماً اجتماعياً 150 جنيهاً في الشهر ولضآلته يدفع مرتين في السنة كل ستة شهور مرة. هذا الدعم على قلته وعدم شموله توقف منذ أن جاءت حكومة الثورة. ديوان الزكاة أيضاً له قوائم خجولة عدد قليل من كل قرية يمنحهم الزكاة سنوياً زروعاً ومعينات رمضانية. ولم تجدد هذه القوائم (يا ربي القوائم دي من زمن بحبحة البترول وللا شنو؟) الآن تضاعف عدد الفقراء بمتوالية هندسية ويمكنك أن تحسب الأغنياء والباقي كلهم فقراء. انتظار الحكومات ودواوينها كمن يجري وراء السراب والساسة مشغولون بالكيد لبعضهم البعض. لذا أرى أن ينهض المجتمع متخذاً من التجربة البنغلاديشية نموذجاً. ما هي التجربة البنغلاديشية؟ فكرة د.محمد يونس في بنغلاديش الذي شغله تفاقم أوضاع الفقراء في بلاده، مضى يحاول إقناع البنك المركزي أو البنوك التجارية بوضع نظام لإقراض الفقراء بدون ضمانات، وهو ما دعا رجال البنوك للسخرية منه ومن أفكاره، زاعمين أن الفقراء ليسوا أهلاً للإقراض. لكنه صمم على أن الفقراء جديرون بالاقتراض، واستطاع بعد ذلك إنشاء بنك جرامين في عام 1979 في بنغلاديش، لإقراض الفقراء بنظام القروض متناهية الصغر التي تساعدهم على القيام بأعمال بسيطة تدر عليهم دخلاً معقولاً وقد حصل على جائزة نوبل للسلام عام 2006. تجربة د. محمد يونس مشهورة جداً وشهرتها من نجاحها في بنغلاديش وإقراض الفقراء ودور الرساميل الصغيرة والتي كلما سدد ممول جاء بعده آخر من نفس القرية وهذا ما يحرسها. بنوكنا ليست بأفضل من بنوك بنغلاديش وسبحان الله كل يوم يفتح عندنا بنك أجنبي (تحتاج وقفة ونحتاج فيها لقول مرة ثانية). لماذا لا يتحرك المجتمع في غياب الدولة، وكل قرية أو حارة في مدينة تتفقد فقراءها وتبحث لهم عن تمويل أصغر بنفس الفكرة كلما سدد فقير حولوا المبلغ لآخر الأمر يحتاج مجهوداً ولكنه ليس صعباً فقط عزيمة ممولين من الكبار وإدارة شباب. هل تذكرون (التمويل الأصغر)؟