رثت بنونة بت المك نمر أخاها عمارة عندما مات بعيداً عن ساحات الوغى والحروب، ويذكر أنه مات بمرض الجدري الذي كان يداويه أهلنا في ذلك الحين بذر الرماد عليه. لذلك أنشدت بنونة وبكت أخاها، وقالت (مادايرالك الميتة أم رماداً شح – دايراك يوم لقى بدميك تتوشح – الميت مسلوب والعجاج يكتح) إلا أن شاعر العرب ابن نباته السعدي في بلاط سيف الدولة قال في قصيدة شهيرة (من لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحد) ولا وسيط لرماد بنونة وسيف نباتة إلا سندان الموت الزؤام بينهما .وكذلك الحال عندنا بالبلاد ما بين الاستعداد لجائحة (كورونا) وأمر الحظر الذي قيل سيكون شاملاً بالمنازل. في نفس الوضع المعيشي والاقتصادي المتهالك، ويقيني أن الحظر المنزلي لن يكون ناجحاً إلا إذا سبقته خطوة دراسة عميقة ودقيقة تهدف لأجل استدامته بطريقة آمنة ومطمئنة .فالسواد الأعظم من السودانيين تحت خط الفقر وذلك وفق تصريحات أدلت بها الحكومة قالت إن نسبة الفقر بلغت حوالي 65% .مع عجز في الميزانية ورثته الدولة من النظام السابق يقدر بحوالي 150 مليار جنيه، وذلك التقرير غير الدقيق لنسبة فقراء السودان ال65% الذين يقبعون تحت خط الفقر كان قبل أن ينعدم الوقود والدقيق وقبل أن يتضاءل الجنيه أمام الدولار ويترنح ليصل فوق ال 140 جنيها. فكم ياترى يكون عدد الداخلين لذلك الخط بعد ذلك التردي الاقتصادي المريع، لذلك نرى كل الدول التي تفرض الحظر على مواطنيها بمنازلهم نراها وفرت أسباب نجاحه من خلال توفير الكهرباء المنتظمة وخطوط الانترنت القوية وتوفير كل المستلزمات الغذائية والدوائية . ولكن قبل أن أقول إن المواطن السوداني ضائع يومه ما بين صفوف وطوابير الخبز إلى الوقود والغاز وانتظار المواصلات. ليبقى له حوالي ساعتين أو ثلاث ساعات إن وجدت لكسب عيشه أو الوصول لمقر عمله، كيف نحظر ذلك المحظور بأمر الظروف أصلاً ونضاعف من آلامه وجراحه وكأننا نرى الشعب السوداني مع تلك الجراح الاقتصادية الغائرة كأنه يقول لوزير المالية كلمات شاعرنا الكبير بشير عبد الرحمن (تجرحني كيف وأنا كلي جراح) الغالبية العظمى من المواطنين يخرجون صباحاً من أجل لقمة عيشهم ولأسرهم الكريمة بنظام (رزق اليوم باليوم) فكيف نحظر عامل رأس ماله ضراعه وعرق جبينه اليومي في منزله حتى لا يموت (بالكورونا) ونوفر له أسباب الموت بالجوع، على الحكومة أن توفر للمواطن لقمة العيش إبان الحظر أو تطلقه يأكل من خشاش الأرض . فقد سئم المواطن الخطابات التعبوية غير المجدية، فقد قال نائب رئيس المجلس السيادي إبان افتتاحه لمشفى الحجر الصحي بكرري إن الحكومة ستوصل الغذاء للمواطنين في منازلهم إذا دعا الداعي. فكيف توصل الحكومة الغذاء للمواطن في منزله بالمجان وهي التي عجزت أن توفرله الخبز وبحر ماله . وفروا للمواطن أسباب الحجر وسيلتزم الجميع ويبقوا بمنازلهم ولكن أن تدعو الحكومة لحجر منزلي أوحظر تجول ضيق للشعب الفقير دون أن توفر له متطلباته تكون كأنها وضعت البارود مع الوقود وهي ترفض انفجارهما، وبحسب موقع (الإمارات اليوم) فإن الأزهر الشريف قد أصدر فتوى عن ميت (الكورونا) الذي اعتبره شهيداً وقال إن (الكورونا) وباء مثله ومثل الطاعون الذي ( قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس من أحد – يعني مسلم – يقع الطاعون فيمكث في بلده صابراً محتسباً يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر شهيد) رواه البخاري) إذاً إما وفروا لنا مايقينا ويحمينا من ذلك الداء أو لا تحسدوننا على الشهادة، فكيف يلتزم المواطن بالحجر أو الحظر وهو يقضي يومه بصفوف المخابز لعدد من الساعات الطوال وهو ينظر للخبز ولسان حاله يقول " لا لقيناك وفرحنا ولا نسيناك واسترحنا". صورة ناصعة تكاتف الجميع حول حكومة الثورة وتفهمهم للأوضاع وتفويت الفرصة على المندسين . صورة مقلوبة عن حظر الجياع وشغلانية الضراع.