العديد من القرارات الاقتصادية التي صدرت مؤخراً تسببت في كوارث اقتصادية، لأنها بنيت على الشعارات لا على الدراسات. من ذلك شعار الامتناع عن تصدير المواد الخام من السودان، بدعوى أن ذلك يُفقد السودان القيمة المضافة الناجمة عن التصنيع. بالطبع هذا شعار جميل وبراق، ولكن قبل إنزاله إلى أرض الواقع بقرار وزاري علينا دراسة إمكانية التصنيع، وهل تتوفر لنا مقومات الصناعة المعينة أم لا. بغير هذه الدراسة تتسبب القرارات الوزارية في كوارث اقتصادية. حالياً في ولاية الخرطوم، وفي مدن أخرى عديدة في السودان، مئآت الآلاف من جلود الخراف متعفنة ومرمية في العراء، ثروة مهدرة، والسبب في إهدارها قرار وزاري بمنع تصدير الجلود الخام، بُني القرار على شعار لا على دراسة علمية، فكانت كارثة إهدار هذه الثروة. في العام 2017 صدَر السودان جلود خام بمبلغ 27مليون دولار، تراجعت إلى 15 مليون دولار في 2018، ثم إلى 9 ملايين دولار في عام 2019، ويتوقع أن تكون صفراً في العام 2020. يحدث هذا مع ملاحظة زيادة كميات الذبيح اليومي بغرض الاستهلاك الداخلي أو صادر اللحوم. وبالمقابل ليس لنا أي صادرات من الجلود المصنعة في شكل أحذية وحقائب ومنتجات جلدية أخرى، فأين ذهبت الجلود؟ إنها إما مخزنة لدى تجار الجلود في انتظار فتح الصادر، أو يتم تهريبها لدول الجوار، أو ترمى في العراء كما حدث قبل أيام في فترة عيد الأضحى. قبل عيد الأضحى بيومين أصدر وكيل وزارة الصناعة والتجارة قراراً بفتح صادر الجلود الخام، القرار جاء متأخراً جداً نظراً لوجود كميات هائلة من الجلود الخام المخزنة التي تحتاج لوقت لتصريفها للأسواق الخارجية، ولم يُسعف الوقت التجار للحصول على تمويل من البنوك لشراء الجلود من المواطنين والمنظمات فكانت كارثة الإهدار المؤسفة. بصورة مطابقة لما تم من إهدار لخام الجلود، تم إهدار كميات هائلة من خام الفول السوداني، التي أصابها التلف لصدور قرار وزاري غير مدروس بإيقاف صادر الفول، فخسرنا أيضاً ملايين الدولارات. على وزارة الصناعة والتجارة قبل إصدار القرارات بمنع تصدير أي خام منتج في السودان، دراسة أوضاع الصناعة، والتأكد من وجود مصانع قادرة على تصنيع هذا الخام. ولا يكفي الاعتماد على إحصاءات قديمة تشير إلى كفاية الطاقات التصنيعية المركبة، لأن ظروف التشغيل وتوفر الطاقة والعمالة المدربة تتغير بين فترة وأخرى، كذلك أنماط الاستهلاك وأمزجة ورغبات المستهلكين. وعلى الوزارة المعنية تنشيط المجالس المتخصصة مثل مجلس الجلود، ومجلس الفول، واستشارتها قبل إصدار القرارات الوزارية. والله الموفق.