حالة من الحزن ترتسم على وجوه الجميع داخل منزل العزاء بالحاج يوسف، لجهة أن الحادث ووفاة أغلبية الموجودين داخل الحافلة (الشريحة) كان أشبه بالصاعقة التي ألجمت الأفواه وحطمت الأفئدة وعطلت الرؤوس. لدى وصول (السوداني) إلى المنزل، كان مشهد النساء في تجمعهن المعهود في الملمات بباحة المنزل، وإلى جوارهن تتراصُّ حقائب الضحايا، التي تم إحضارها من موقع الحادث، لكن لا أحد تملّضكته شجاعة الاقتراب منها. مشهد أول سرادق العزاء التي نصبت في الطريق اكتظت بجموع المعزين التي امتدت لتغطي مساحة كبيرة لمبنى لم يكتمل تشييده في (شكل راكوبة).. الكل حزين وصامت، في استقبال المعزين الذين تقاطرت جموعهم من كل حدب وصوب من الخرطوم أو خارجها لتؤازرهم في فقدهم الجلل. الكل (مصدوم) من هول الفاجعة فلا حديث يدور بالمكان ولا تسمع شيئاً سوى عبارة (الفاتحة). حالة من الذهول ارتسمت على الوجوه، فالجميع بين مصدق ومكذب لانقلاب الحال إلى حال، كبار السن ممن عركتهم الحياة يتنهدون بأسى. داخل إحدى الغرف عدد من السيدات كل واحدة تبكي فقيدها، والدموع تنهمر بلا توقف، والحسرة تنهش في الأحشاء بعد تحول فرحتهن في لحظات إلى حالة من الحزن والوجع، الذي لا يداويه إلا الزمن فقط. مجموعة من النساء يجلسن تحت ظل شجرة، يحكين تفاصيل الحادث وكيفية وقوعه. قالت (ع، م) إن الحادث وقع نتيجة ارتطام سيارة هايس مع حافلة ركاب بشارع التحدي فقد كان أبناء خالتها متوجهين لحضور تخريج ابنهم، لكن قبل وصولهم إلى شندي وقع الحادث وتوفوا جميعهم عدا سائق الهايس الموجود بالمستشفى حاليا. مجموعة أخرى من الفتيات يقفن بالقرب من أحد الجدران، تبدو على ملامحهن حالة من الحزن لتقترب إحدى الخالات لتسألهن: ماذا حدث؟ لتجيب إحداهن بأنهن لا يعلمن كيف حدث الأمر؟ واستدركت بأن كل ما يعرفنه أنهم تعرضوا لحادث قبل وصولهم إلى شندي فقد قام سائق الهايس بالتخطي ليرتطم بحافلة ركاب وأن (ع) هي التي اتصلت عليهم وأوصلت خبر الحادث. مخالفة مرورية أحد أقرباء المتوفين -فضل حجب اسمه- كشف في حديثه ل(السوداني) أمس، عن أن المتوفين ينتمون إلى أسرتين هما أسرتا آل حمد، وآل أبو زيد.. وإن البداية جاءت بعزم الأسرتين السفر بالحافلة (الشريحة) لتخريج ابنهما الطالب أنس أحمد أبو زيد الذي يدرس بجامعة وادي النيل. المصدر اللصيق بالأسرة أكد أن عدد الركاب داخل الشريحة (18) راكباً، وهو رقم وصفه بالمخالفة في حد ذاته. وعاب المصدر على شرطة المرور تمرير تلك المخالفة لأن الشريحة وفق التصريح لا تسع لأكثر من 12 راكباً، مبيناً أن جميع المتوفين أبناء عمومة وأخوال تجمعهم العائلة وتفرقهم الأسماء. أسماء الضحايا وطبقاً للمصدر فإن عدد المتوفين في الحادث (9) أشخاص وليسوا (10) كما يشاع، وأن أسماء المتوفين (فائقة أبو زيد صالح، وشقيقتها عواضة أبو زيد صالح، ونجاة حاج إبراهيم، وشقيقها حاج عابدين إبراهيم، وابن أخيهما محمد مبشر حاج إبراهيم، وأمجد حاج علي، وهاني محمد حمد، وحسون، وصلاح). واختتم حديثه بأن الناجين من الحادث هم صفاء أحمد، شرف الدين يعقوب، مياسة عابدين، يوسف عبد الجليل، اسحاق كرشاب، محمد عبد الرازق، بشار عبد الحميد، مشيراً إلى أن هناك اثنين لم يتذكرهما من هول الصدمة. تفاصيل الحادث (السوداني) استنطقت مدثر أحد أقرباء المتوفين الذي أكد أن جميع المتوفين ينتمون لإحدى القبائل النوبية ويسكنون قرية تعرف بجزيرة (ناب) بمنطقة السكوت، مضيفاً أن المتوفين كانوا ذاهبين لمشاركة ابنهم فرحة التخريج بجامعة شندي، فتغير الحال فكانت الفاجعة يوم الحادث نفسه. وأضاف: "فالخريج الذي ينتظر وصول أهله لاكتمال مراسم فرحته وزفه وسط أقرانه من الطلاب فجع ب(موتهم) قبل الوصول". وأكد أن عدد المتوفين (9) أفراد، (3) من النساء، و(6) من الرجال، في يوم الحادثة، وبعدها تم نقل الجرحى إلى مستشفى شندي فيما تم تسليم الموتى إلى ذويهم للتشييع أمسية الجمعة. وأشار الرجل إلى أن سبب وقوع الحادث بسبب خطأ (ابنهم) السائق لجهة أنه يقود ما يسمى ب(الشريحة) وأنه طبقاً لما سمع من الأسرة كان مسرعاً محاولاً تخطي العربة التي أمامه ليُفاجأ بعربة من الاتجاه المعاكس ليحدث الاصطدام الذي أدى إلى تقلب الشريحة ثلاث مرات وتسبب في وفاة الكثيرين، بعدها تم نقل المتوفين لمستشفى شندي والجرحى، ونوه إلى سائق الشريحة على قيد الحياة حيث أصيب في رأسه وآلان يرقد بمستشفى الخرطوم التعليمي.