أعمى وأصم وأبكم.. أصدقاء جمعتهم عاهات الدنيا وآهاتها.. عندما يضيق بهم واقع الحال بالنهار، يتسللون إلى قاع الكأس بالليل.. لعمري ما رأيت كأساً أرحب من ديارنا، أو هكذا يتهامسون في مجالس المساء.. تشاجروا ذات مساء، فاقتادهم حارس القرية إلى عمدتها، فحكم عليهم بالجلد.. الأعمى لم ير شكل السوط، ومع ذلك تألم و.. صرخ.. الأصم لم يسمع وقع الجلد، ومع ذلك تألم و.. صرخ، أما الأبكم، فقد رأى شكل السوط وسمع وقعه ثم تألم، ولكنه عجز عن الصراخ، وهكذا تعلم الأعمى والأصم من صديقهما الأبكم بأن الصراخ - أحياناً - نعمة..!! (2) زارهم أمير المؤمنين ذات عام، فأعدوا له قائمة المطلوبات.. (مياه، كهرباء، مدرسة، مركز صحى، نقطة بوليس، وقابلة تجنب النساء مخاطر الوضوع اللا إرادي)... استلم قائمتهم وصعد إلى منبر الخطابة، وشرع يحدثهم عن الصبر ساعة وعن الصدق نصفها، وكذلك نصحهم بربط (حزام العزيمة) على بطونهم حتى تتجاوز أمة الإسلام المنعطف التاريخي الخطير.. ثم ترجل عن المنصة وارتمى في بهو فارهته، وشدّ له السائق (حزام الأمان)، وغادر به سوح الحفل بعد أن قدم درساً لأهل القرية.. لقد تعلموا - أخيراً - الفرق بين (حزام العزيمة) و (حزام الأمان)..!! (3) رئيس اللجنة جاء في موعده، ولكن المقرر تأخر قليلاً، أما أمين المال فقد غاب، بيد أن المواطن كان أول الحاضرين.. اجتماع مهم لمكافحة الملاريا في المنطقة قبل مقدم المعتمد الجديد، فالملاريا هي التي عجلت برحيل المعتمد السابق، أو كما قال التقرير السري.. اقترح المواطن دفن البرك الآسنة، فسقط الاقتراح لعدم رغبة الرئيس في تلويث تراب البلد.. ثم اقترح رش البرك الآسنة بالمبيد، فسقط الاقتراح لحين التشاور مع المشرف أمين المال.. فجلس صامتاً - وجدتها.. هكذا صاح المقرر، ثم نهض وسرد المقترح، فهلل الرئيس وأمين المال.. غداً اجتماع آخر خاص بالرئيس وأمين المال لتحديد ميزانية المقترح المجاز بالتهليل.. (إقناع أنثى الانوفيلس بغسل فمها قبل لسع المعتمد الجديد)..!! (4) متشرد ولقيط.. أنجبتهما ظلمات المجتمع في موسم جفاف الضمائر، ثم بلغا سن الرشد تحت جنح الدجى.. تجولا ذات نهار في طرقات المدينة وأسواقها بحثاً عن شرف العيش أو العيش الشريف، ولم يجدا غير الحرمان، فناما على رهق.. أحدهما كان مفترشاً آلامه، والآخر كان ملتحفاً آماله.. حلما سويا قبيل منتصف الليل بساعة بحلم ساده الغذاء والكساء والدواء ثم القلب الرحيم، فابتسما.. (شكراً للحلم الذي علمنا كيف نبتسم)، قالها أحدهما للآخر..!! (5) رائع.. عطلة رسمية بمناسبة وضع حجر الأساس للجسر الكبير.. الفريق الهندسي أكمل التصميم بثلث الميزانية، وكذلك الاقتصادي أكمل دراسة جدواه بالثلث الثاني، ولم تفت على فطنة المعتمد مع الحشد الجماهيري وتأجير بعض الهتيفة، بالثلث الأخير.. قبل بداية الحفل بساعة، أخبرهم حكيم القرية بأن المكان المستهدف بالجسر ليس به نهر.. أعتقلوه، ثم وجهوا له تهمة إعاقة النظام عن أداء واجبه.. مسكين حكيم القرية، لم يكن يعلم بأن نهج النظام يبني الجسر أولا ثم يبحث عن النهر لاحقاً..!!