(وجه وزير المالية بتفعيل القوانين اللازمة لتعزيز الجهد المبذول لتحصيل الإيرادات وذلك خلال استماعه لتنوير من الإدارة العامة للإيرادات القومية؛ بحضور الأستاذة آمنة ابكر وكيل المالية، واطلع الوزير على مجمل القضايا والمشاكل التي تعيق عملية التحصيل وتقلل من جهد الربط الإيرادي، ووعد الوزير بمراجعة كل المشاكل ذات الصلة بالتحصيل والإيرادات بغرض ضبطها ومعالجة كافة التشوهات. وشدد الوزير على أهمية الاعتماد على الموارد الحقيقية التي تستند عليها وزارة المالية وفق ما اجازته موجهات الموازنة العامة). بالأمس احتفينا بقرار وزير المالية الدكتور جبريل ابراهيم بإلغاء الإعفاءات التى ظلت تشكل تشويها سافرا للأداء الاقتصادى طوال الأعوام الماضية.. وإن كنا قد أخذنا عليه أن الإلغاء لم يكن شاملا حتى تضع وزارته الضوابط اللازمة للحصول على تلك الإعفاءات.. فاليوم سنحتفي ايضا بقرار آخر ولكن بتحفظاتنا ايضا.. فأعلاه تلخيص لوقائع الاجتماع الذي تناول فيه الوزير أهمية الإيرادات.. ومصدر احتفائنا بهذا الحديث، الذى قد يبدو عاديا وطبيعيا من وزير للمالية، أنه يكاد يكون أول حديث من مسئول في القطاع الاقتصادي منذ تشكيل السلطة المدنية الانتقالية.. وهذا ليس تجنيا على أحد، بل هي الحقيقة الملموسة.. وكل المتابعين للشأن الاقتصادي، وحتى رجل الشارع يذكر جيدا تلك التصريحات التي ظلت تراهن على الدعم الخارجي؛ من الأصدقاء مرة ومن الشركاء مرات.. وبغض النظر عن مدى النتائج الملموسة من تلك التوقعات، فقد افضت لأمرين في غاية السوء.. الأول ارتفاع سقف الآمال والتوقعات لذلك الدعم الخارجي الذى لم يأت.. والأسوأ منه؛ إحداث حالة من الخمول والتراخي، وإحساس كل فرد، باختلاف المواقع والمهام، إن إنقاذ الاقتصاد مسئولية جهات أخرى.. لا نراها ولكن نسمع عنها في تصريحات المسئولين..! إذن.. من هنا تأتي أهمية حديث وزير المالية، حين يعلي من قيمة وأهمية الاعتماد على الموارد الذاتية.. وقد يحاضرنا أحدهم عن أهمية الدعم الخارجي.. ولكن يفوت على مثل هذا القول أن الاعتماد على الذات ينبغي أن يكون هو الأساس.. وحتى الخارج الذي ننتظر دعمه، إن لم يلمس جدية وجهدا وطنيا، فلا ننتظر أن يكون اكثر حماسا منا. حديث وزير المالية عن أهمية الإيرادات، قد عاد بالحصان إلى موقعه أمام العربة.. وكل هذا يظل هو الجهاد الأصغر.. أما أن تسير هذه العربة في مسارها الصحيح، فهذا هو الجهاد الأكبر، الذي ينتظر الوزير.. وعليه أن يعد عدته لمعركة حقيقية، نسميها دون تحفظ "معركة الإيرادات"، ويا لها من معركة..! على سبيل المثال، وفي إطار متابعاتي لقرار وزير المالية بإيقاف الإعفاءات، تحدثت إليّ مسئول بقطاع إيرادي ضخم، اولا كان القرار لم يصلهم بعد،ثم كانت المفاجأة الصاعقة بالنسبة لي، وذاك المسئول يحدثني أن العجز في الإيرادات في تلك المؤسسة لا يقل عن 90%.. أي أن التحصيل لا يتجاوز العشرة في المئة فقط، وعلى ذلك قس.. هذا يقودنا بدوره لأمرين في غاية الأهمية، اولهما أن الحديث عن تأثير عناصر النظام البائد ليس ترفا سياسيا.. والأهم من ذلك، إن إصلاح الخدمة المدنية ليس نزهة.. وكل هذه مسائل تتخطى اختصاصات وواجبات وزارة المالية؛ لتشمل كل الحكومة، بل كل مؤسسات الحكم الانتقالي.. وقبل هذا وذاك، تظل قضية ولاية وزارة المالية على المال العام، معركة قائمة بذاتها، تحتاج من سلاح الإرادة ما تحتاج، ومن القوانين واللوائح المالية ما يجعل كل هذا ممكنا.. أما تحفظنا، فهو أن الطاقم المالي والإداري الذي ظل في موقعه، يتفرج على كل ما يجري؛ لا نحسب أنه مؤهل لخوض هذه المعارك رفقة السيد وزير المالية..!