تنتشر في وسائط التواصل الاجتماعي فيديوهات تصور مجموعة من الشاحنات متجهة للمعابر مع الشقيقة مصر، وهي تحمل عجولاً وسمسماً ومنتجات سودانية أخرى، ويجيء التعليق المصاحب فيما معناه: انظروا، مصر تستنزف مواردنا. فهل يوجد استنزاف للموارد السودانية، وهل التبادل التجاري مع مصر مضر بالاقتصاد السوداني؟ يشير الموجز الإحصائي للتجارة الخارجية الصادر عن بنك السودان المركزي إلى أن صادراتنا لمختلف دول العالم قد بلغت في العام 2019 مبلغ 3.9 مليار دولار فيما بلغت وارداتنا من العالم 9.3 مليار دولار. وعليه بلغ العجز في الميزان التجاري قيمة 5.3 مليار دولار. ويشير نفس الموجز إلى أن صادراتنا لمصر في نفس العام قد بلغت 366 مليون دولار، فيما بلغت وارداتنا منها 496 مليون دولار، وعليه سجل العجز التجاري معها قيمة 130 مليون دولار. ويمثل العجز التجاري مع مصر نسبة ضئيلة جداً من العجز التجاري الكلي حيث بلغت هذه النسبة 2.5% من العجز الكلي. من ناحية أخرى فإن أهم صادراتنا لمصر خلال العام 2019 هي الحيوانات الحية بقيمة 168 مليون دولار، السمسم 106 ملايين دولار، القطن 32 مليون دولار، اللحوم 24 مليون دولار. وكانت وارداتنا منها في نفس العام: سلع مصنعة بقيمة 276 مليون دولار، كيماويات 91 مليون دولار، منتوجات بترولية 30 مليون دولار، مواد خام 36 مليون دولار، مواد غذائية 31 مليون دولار. بالتمعن في هذه الأرقام نجد أن التبادل التجاري مع مصر هو في أغلبه مواد خام من السودان لمصر، وسلع مصنعة من مصر للسودان. ويعود السبب في ذلك لضعف قدراتنا التصنيعية في السودان، وليس لرغبة مصر في الاضرار بنا. لنأخذ عنصراً واحداً من عناصر صادراتنا لمصر وهي الحيوانات الحية، فلو تمكنا من استكمال منظومة المسالخ الحديثة المؤهلة والموافقة للمواصفات، وقمنا بتصدير هذه الحيوانات في شكل لحوم مصنعة لمصر، لانقلب الميزان التجاري مباشرة لصالحنا بنسبة كبيرة. كذلك الأمر بالنسبة للسمسم نصنعه زيتا أو طحينية، والقطن نصدره لهم منسوجات. ولا ننسى أن السوق المصري سوق ضخم جداً بعدد سكان يفوق مائة مليون نسمة. طيب، في هذه المرحلة هل نقوم بإيقاف التبادل التجاري مع مصر لأنه مواد خام مقابل مواد مصنعة؟ في الواقع أن الإيقاف يمثل قراراً غير حكيم لثلاثة أسباب: الأول أن المواد المصنعة التي تدخل لنا من مصر حتى لو كانت مصنوعات بلاستيكية وألمنيوم…إلخ هي مرغوبة في السوق السوداني، عليه سوف يتحول التجار لاستيرادها من الصين أو غيرها. السبب الثاني: أن إيقاف صادر الحيوانات الحية والسمسم والقطن لمصر سوف يضر بالمنتج السوداني وهو الراعي أو المزارع البسيط. والثالث: أن عدم السحب من القطيع الحيواني يمثل تهديداً للبيئة، لأن حيواناتنا تتغذى على المراعي الطبيعية ولا بد من سحب نسبة من القطيع كل سنة وإلا تكاثر الحيوان وقضى على المراعي. علينا التركيز على تذليل عوائق الإنتاج الصناعي من طاقة وتكنولوجيا وقوى عاملة مدربة لتحقيق القيمة المضافة لمنتجاتنا الخام، بدلاً عن مهاجمة الأشقاء المصريين دون مبرر، والله الموفق.