(جُو يساعدوه في قبر أبوه.. دسَّ المحافير)، بحذافيره انطبق هذا المثل على منظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية، فكما هو معلومٌ بالضرورة أن ما تقوم به تلك المنظمات والجمعيات تعجزُ الدولة في كثير من الأحيان؛ عن القيام به، ولذا فأبسط ما يُمكن توقُّعه من جهات الاختصاص هو تقديم الدعم المعنوي لها ومساعدتها بإصدار القوانين واللوائح التي تساعدها في إنجاز أعمالها، لا تلك التي تُكبَّلها وتجعل عملها من (رابع المستحيلات)، كما فعلت لائحة 2021م التي تمَّت إجازتها مؤخراً. الغام (لينا)..!! بينما منظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية؛ تنتشر في ربوع السودان لتقديم كل ما في وسعها من عونٍ؛ إذ بلائحةٍ صادرة من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بتاريخ الأول من فبراير 2021م، تحت توقيع الوزيرة (السابقة) لينا الشيخ، بصدور لائحة جديدة لتسجيل وتنظيم العمل، هذه اللائحة جعلت عمل تلك المنظمات والجمعيات أشبه ب (المشي في الألغام)، لأنها ربطت كل شيء بموافقة مفوض العون الإنساني بدءاً من اجتماع صغير بين منظمتين للتنسيق لإنجاز مشروع ما، وقس على ذلك شيء، ما يجعلها مُخالفة حتى للوثيقة الدستورية، حسبما أجمع ناشطون ومختصون في المجال. من سيء إلى أسوأ ويقول عضو اللجنة الفنية الوزارية المشتركة د. سامي عبد الحليم ل (السوداني) إنَّ وزيرة العمل والرعاية الاجتماعية (السابقة)، أصدرت قراراً بإلغاء لائحة 2013م (السيئة) والصادرة في عهد استبدادي واستبدلتها بأخرى أسوأ منها؛ مُعرباً عن أسفه أن يأتي ذلك في ظل حكومة الثورة، لجهة أنها كبَّلت عمل المنظمات والجمعيات الخيرية وجعلت كل ما هو مكفولٌ بالدستور (مُحرّمٌ) بنص مواد لائحة 2021م التي وصفها ب(المعيبة). ومضى عبد الحليم بقوله أن متاريس اللائحة تبدأ بالمادة ( 4) التي تقول: لا يجوز لأي شخص أو جماعة ممارسة أي عمل تطوعي باسم منظمة ما لم تكن تلك المنظمة قد تم تسجيلها وفقاً لأحكام هذا القانون. أما المادة( 10) فنصَّت على أنه في ما يلي تجديد الترخيص ( يجوز للمسجل رفض تجديد الترخيص في حال عدم الوفاء بالشروط الواردة في القانون واللوائح).. وبحسب سامي فإنَّ هذه المادة كغيرها مخالفة حتى للدستور الذي يكفل الحق في التجمع السلمي، ويؤكد أن لكل فرد الحق في حرية التنظيم مع آخرين، بما في ذلك الحق في تكوين الأحزاب السياسية والجمعيات والنقابات والاتحادات المهنية أو الانضمام إليها حماية لمصالحه. (حقَّك تشارك) من جهته، أكد مدير مُنظمة المُبادرة السودانية للتنمية (سوديا) عبد الرحمن يحيى أنَّ هذه اللائحة (أغرقت) الحكومة في تفاصيل قد تستنفدُ كل وقتها دون أن تُفلح في انجازها؛ وفي ذات الوقت قيَّدت المنظمات بشروط يستحيل معها العمل. وفي ذات الاتجاه مضت منسق حملة "حقك تشارك" (سوديا) سارة الجميعابي قائلة: إنهم يُنفِّذون هذا العمل بخمس ولايات؛ مُشدّدة أنها استفسرت الجهات الرسمية ومُمثلي المجتمع المدني بتلك الولايات عن هذه اللائحة المُعيقة لعمل المنظمات فأكدوا لها أنهم لم يسمعوا بها مُطلقاً. أما رئيس كونفدرالية منظمات المجتمع المدني د. معاوية شداد، فركَّز على التناقضات التي حوتها هذه اللائحة لدرجة جعلت حتى الجهات المختصة تتبرَّأُ من مسؤولية إصدارها، مؤكداً أنه ناقش مع عدد من المسؤولين بالوزارة بنود هذه اللائحة فنفوا علمهم بحيثيات صدورها. افتقار رؤية ويقول المحامي عبد المطلب عطية الله، عضو اللجنة القانونية بقوى إعلان الحرية والتغيير ل(السوداني): إنَّ الحقيقة التي لا مناص من الاعتراف بها أن السودان ظل يعاني من غياب السياسة التشريعية الواضحة، ورغم إنجازنا لثورة عظيمة كان من ضمن أهدافها الأساسية إصلاح منظومات القوانين لكننا حتى الآن لم ننجح في ذلك بدليل أننا نفتقر للرؤية التشريعية والسبب الرئيسي هو غياب مفوضية الإصلاح القانوني فهي التي تحدد المعايير وترسم الموجهات. منوِّهاً إلى أن الناظر الآن يجد أن طريقة سن القوانين فيها اضطراب كبير بدليل إصدار هذه اللائحة التي وجدت انتقاداً لاذعاً من كل العاملين والمهتمين بالعمل الطوعي، فالصحيح كان قبل إصدارها عقد عدة ورش ومن ثم استصحاب اللائحة القديمة والوقوف على كل ايجابياتها وسلبياتها وتمحيصهما بدقة شديدة واستصحاب كل ما استجدَّ من تطور في الفضاء المدني مع ضرورة الجلوس مع منظمات المجتمع المدني ثم بعد الشروع في صياغة اللائحة الجديدة. مقاومة شرسة المادة (15) نصَّت على موجهات وضوابط عمل المنظمات الوطنية.. وفي هذا يقول مدير مُنظمة المُبادرة السودانية للتنمية (سوديا) عبد الرحمن يحيى: للعلم هذه المادة لم تكن موجودة في لائحة 2013م ويضيف بأن هنالك حديثاً يدور على نطاق واسع أن اللائحة كلها تمت صياغتها إبِّان النظام السابق وتحديداً عام 2018م ولما وجدته من مقاومة شرسة من منظمات المجتمع المدني وقتذاك وبالتالي لم تتم إجازتها، بل هنالك من يذهبون لأبعد من ذلك ويقولون أن بعض حرس النظام القديم من العاملين بالوزارة ثم من قدَّموا هذه اللائحة للوزيرة السابقة لينا الشيخ، والتي وقَّعت عليها قبل دراستها وتمحيصها، لتقع بذلك في (فخ) نُصِبَ إليها بمُكر سياسي رهيب. وفي شرحه للفقرة (11) قال عبد الرحمن يحيى إنها أعطت اللائحة سلطات تحكمية واسعة للمفوض وجعلت المنظمات رهائن في يد المفوض فكل الانشطة والأعمال الإدارية والمالية أصبحت تتطلب موافقات من المفوض وإلَّا ستتعرَّض المنظمة وأعضاؤها للعقوبات، مشيراً إلى أنه من بين تلك الأمور عدم تعديل في مجالات عمل المنظمة، وهنا وردت عبارات غير واضحة فمثلاً كلمة تعديل غير محددة وغير منضبطة. عدم تعيين أي شخص أجنبي – وهذه أمور يحكمها قانون العمل – فهو إما أن يسهلها أو لا حق له في التدخل فيها.. أيضاً وردت قيود كثيرة جداً منها: عدم تصدير مواد أو معدات أو آليات.. عدم ممارسة انشطة مع جهات حكومية آو أجنبية إلا بموافقة المفوض.. عدم القيام ببحوث و دراسات أو مسوحات أو إحصائيات، وهذا بالطبع يستهدف حرية البحث – والتفكير المستقل – ويقيِّد حرية التعبير. حتى بعد موافقة المفوض على إجراء البحوث. لا يجوز نشرها داخل أو خارج السودان إلا بموافقة المفوض.. ويشدِّد عبد الرحمن يحيى أنَّ هذه الموجهات فيها مساس واضح وشديد باستقلال المنظمات وبل يجعلها تابعة للحكومة. سُلطة مُطلقة وتتناول المادة (16) من لائحة 2021م أمر الامتيازات، د. سامي عبد الحليم قال: لم يعد الحصول على أي امتيازات أمر تلقائي بمجرد الحصول على التسجيل الرسمي، وإنما يتطلب الإعفاء الجمركي والضريبي والرسوم الحصول على موافقة الوزير – و فيما يخص الإعفاء الجمركي يجب إن توقع على اتفاقية الإعفاء الجمركي مع وزارة المالية. في الوقت الذي يجب أن تتحصل المنظمة المسجلة وفق القانون على إعفاء ضريبي وجمركي تلقائي بحكم طبيعتها كمنظمة طوعية غير ربحية ولكن هذا الشرط يجعل الوزير والمفوض يتحكمان في التصديق على هذا الامتياز وبالتالي تتمتع منظمات بتلك الامتيازات وتحرم منظمات أخرى. خطورة بالغة ويمضي الخبير القانوني سالم عبد الحليم قائلا: لقد تحدثت المواد، من المادة الثامنة إلى المادة الرابعة عشرة، في الفصل الثاني من قانون العمل الطوعي لسنة 2006 على تسجيل المنظمات، وتجديد الترخيص والاستثناء من الترخيص، ورفض التسجيل، ومنح شهادة التسجيل على أنها سلطة مخولة لمسجل عام منظمات العمل الطوعي والإنساني وقد جعل القانون مسألة ممارسة عمل طوعي دون التسجيل لدى مسجل عام المنظمات الطوعية، جريمة جنائية تستلزم العقاب، وهذا أمر في غاية الخطورة. الجمع بين الأُختين ويقول فريد إدريس، من منظمة (هوب آند هوم) إنَّ المفوَّض ينبغي أن يكون جهة مستقلة عن النظام السياسي الموجود لكن هذه اللائحة (كرَّست) لسيطرته وجعلته شخص غير مستقل بل جزء من السلطة (الحكومة). منوِّهاً إلى أن القانون ولوائحه غير مُساعِدَين للفضاء المدني، وأن تعديل القانون يحتاج لزمن طويل أما اللوائح فيمكن أن تقوم الوزيرة بتعديلها بحيث تسحب منها المواد التي تعرقل عمل المنظمات.