مخطيء من يعتقد أن تاريخ الثامن والعشرين من مارس 2021 تاريخ معزول عن ما مضى من تاريخ السودان .. العكس هو الصحيح .. إنه تاريخ طويل ممتد .. بدأ في الإسبوع الأخير من مارس 1985 .. حين انطلقت جحافل طلاب الجامعات السودانية .. يعلو صوتها بالهتاف .. وضد من ..؟ ضد من إتخذوا الدين مطية لتمرير أجندتهم السياسية .. ضد قوانين سبتمبر التى مثلت أسوأ نموذج لاستغلال الدين فى السياسية .. ولم تتوقف التظاهرات إلا بإسقاط نظام مايو .. الذى كان قد كرس لذلك الاستغلال .. لإذلال خصومه السياسيين .. بل وتصفيتهم جسديا .. ولكن سقط النظام وبقيت القوانين ببشاعتها .. خصما على الإسلام .. وعلى السودان ..! تردد سوار الذهب والجزولى في تنفيذ مطالب الانتفاضة .. بإلغاء قوانين سبتمبر .. كان التجمع بنقاباته وأحزابه .. اضعف من أن يفعل شيئا .. ولم يكن رئيس الوزراء المنتخب بعد ذلك .. السيد الصادق المهدى أفضل حالا منهما .. رغم أن حزب الأمة كان من الموقعين على إعلان كوكادام .. ثم واتته فرصة ذهبية .. أي المهدي .. باتفاق الميرغني قرنق .. الذى حمل ذات معاني شعارات ثوار الانتفاضة الشعبية .. وذات عبارات إعلان المباديء الموقع مؤخرا بين البرهان والحلو .. ولكن المزايدات السياسية .. والمماطلات الحزبية .. والتحالفات المريبة .. اجتمعت كلها لتنسف ذلك الاتفاق .. بحثا عن توضيحات لم توضح شيئا .. وإن أخفت الكثير ..! في عام 1986 حاورت السيد علي عثمان محمد طه لصالح صحيفة المدينة السعودية .. إن لم تخن الذاكرة .. كان وقتها هو نائب الأمين العام للجبهة الإسلامية القومية .. قال لي بوضوح .. إنهم لا يعترضون على إلغاء قوانين سبتمبر إذا كان البديل قوانين إسلامية صحيحة .. كانت تلك العبارة تعنى أمرين .. الأول أن تلك القوانين ليست مقدسة .. وأنها تحمل من الأخطاء ما يستحق التصحيح .. ورغم ذلك .. وبعد ذلك .. استمرت المزايدة بها وعليها ..!وفي العام 1988 حاورت الشيخ محمد هاشم الهدية حول ذات الموضوع .. وكان رأيه الذى لم ننشره .. انه إذا كان المؤتمر الدستورى سيتيح للمسلمين القوانين الصحيحة التى تحكمهم فلا مانع لأنصار السنة من إلغاء قوانين سبتمبر .. ولكن الصبح لم يصبح على تلك الإجابة .. لأن طارقا طرق بابي قبيل صلاة الصبح .. حاملا مذكرة مكتوبة من الشيخ .. يؤكد فيها تبرؤه من إجابته تلك ..! ثم حلت سنوات الإنقاذ .. ليتحول الدين كله الى محض رافعة لمحمول سياسي كامل .. جسد التمكين والاستغلال .. وكل ما ترتب على ذلك مما عاشه الناس أو عرفوه .. إن المعركة الحقيقية كانت دوما وستظل هي .. حماية الدين من استغلاله سياسيا .. وكسر هالات العصمة والقدسية التى أقامها البعض حول أنفسهم ومؤسساتهم .. وقناعاتهم .. ليتساوى الجميع .. ولتكون الحقوق قائمة فقط على المواطنة .. ولا شيء غير المواطنة .. لا دين ولا عرق ولا جنس ولا ثروة .. ولا حتى حقوقا تاريخية .. تميز أحدا عن الآخر فى الوطن .. فالتاريخ نفسه فى حاجة الى مراجعة ..! يحاول البعض الآن أن يصور الأمر و كأنه إلغاء للدين من الحياة العامة .. والذين يروجون لذلك .. هم في الواقع من بادروا بذلك .. ولعل عبارة الإمام محمد عبده الشهيرة تدحض هكذا مزاعم .. فقد خلد التاريخ عبارته .. ( ذهبت الى الغرب فوجدت إسلاما ولم أجد مسلمين .. وجئت الى الشرق فوجدت مسلمين ولم أجد إسلاما ) .. إذن .. الإسلام سلوك ينبغي أن يسير به المسلمون بين الناس .. لا نصوصا يتسلط بها القادة على الناس ..!