ذهبوا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعرضوا الامر عليه.. فقال: (لن أفعل هذا، ولكن عليكم بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فإنهن أمهات المؤمنين ويستطعن عرض الأمر عليه فلما سمعوا رأي الإمام علي بحثوا في الأمر واستقر الرأي على أن تقوم كل من أم المؤمنين عائشة وحفصة رضي الله عنهما بتلك المهمة)، فدخلت عائشة وحفصة رضي الله عنهما على أمير المؤمنين عمر، فقربهما وأحسن استقبالهما فبدأت عائشة بالحديث قائلة: (يا أمير المؤمنين.. هل تأذن لي بالكلام؟).. قال: تكلمي يا أم المؤمنين.. فقالت ما معناه: لقد مضى رسول الله إلى سبيله إلى جنته ورضوانه، لم يرد الدنيا ولم ترده، وكذلك مضى أبو بكر من بعده.. وقد فتح الله على يديك كنوز كسرى وقيصر وديارهما وحمل إليك أموالهما، وخضعت لك أطراف المشرق والمغرب، ونرجو من الله المزيد، وفي الإسلام التأييد، وقد أصبح العجم يبعثون إليك رسلهم ووفود العرب تأتي إليك من كل مكان وأنت تستقبلهم بتلك الجبة القديمة التي رقعتها 12 رقعة، فلو غيرتها بثوب لين يهاب فيه منظرك وأيضا يأتونك بجفنة طعام في أول النهار وأخرى في آخر النهار، تأكل منها أنت ومن حضر معك من المهاجرين. (2) تأثر أمير المؤمنين تأثرا بالغا حتى بكى بكاءً شديدا.. سأل أم المؤمنين عائشة قائلا: هل تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شبع من خبز قمح عشرة أيام أو خمسة أيام أو ثلاثة أيام أو جمع في يوم بين عشاء وغداء حتى لحق بربه؟ قالت: لا، فاستمر عمر رضي الله عنه في حديثه لهما قائلا: أنتما زوجتا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكما حق على المؤمنين عامة وعلي خاصة، ولكنكما أتيتما ترغبانني في الدنيا، وإني أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس جبة من صوف وربما حك جلده من خشونته، هل تعلمان ذلك؟.. قالتا : نعم.. ثم قال أمير المؤمنين لعائشة: ألا تعلمين أن رسول الله كان يرقد على عباءة تكون له بالنهار بساطا وبالليل فراشا، فندخل عليه ونرى أثر الحصير في جنيه؟ ثم قال لحفصة: ألا تذكرين يا حفصة حين قلتِ لي إنك ثنيتِ الفراش للنبي ذات ليلة فشعر بلينه فرقد ولم يستيقظ بالليل إلا حينما سمع أذان بلال، فقال لك النبي: يا حفصة.. ماذا صنعتِ؟ أثنيت المهاد (أي الفراش) حتى ذهب بي النوم إلى الصباح؟.. مالي ومال الدنيا ومالي شغلتموني بلين الفراش!.. وفي النهاية قال لابنته: يا حفصة.. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مغفورا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.. ومع ذلك فقد أمسى جائعا ورقد ساجدا ولم يزل راكعا وساجدا وباكيا ومتضرعا آناء الليل والنهار إلى أن قبضه الله برحمته ورضوانه ثم قال رضي الله عنه: لا أكل عمر طيبا ولا لبس لينا، بل سيكون له في صاحبيه أسوة وقدوة، وقطع عمر عهدا على نفسه.. ألا يجمع بين طعامين في وقت واحد سوى الملح والزيت.. ولا يأكل لحما إلا مرة كل شهر.. فخرجت عائشة وحفصة وأخبرتا الصحابة بما حدث.. وظل عمر ماضيا في طريقه إلى أن لقي ربه شهيدا سعيدا.