بسم الله الرحمن الرحيم هي أم المؤمنين حفصة بنت أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب ، ولدت حفصة في مكة قبل البعثة بخمس سنوات ، ولما بلغت سن الزواج تقدّم إليها خُنيْس بن حُذافة السهمي القرشي فتزوجها ، ثم أسلما واستجابا لدعوة الحق والهدى ، فكانا من السابقين الأولين ، وهاجرا معاً إلى الحبشة فراراً بدينهما ، ثم إلى المدينة بعد أن بدأت الدعوة في الإنتشار ، وشهد زوجها بدراً ، ومات في غزوة أحد سنة ثلاث للهجرة بعد جرح أصابه وترك حفصة أرملة لم تتجاوز الحادية والعشرين . بعد إستشهاد زوج حفصة ملأت مشاعر الشفشقة والحزن الفاروق عمر على ابنته ، فأراد أن يواسيها في مُصابها ويعوّضها ذلك الحرمان ، فقام - بعد انقضاء عدّتها - يبحث لها عن زوج صالح ، حتى وقع اختياره على عثمان بن عفّان رضي الله عنه ، فعرض عليه ابنته لفضله ومكانه ومنزلته ، ولكنه اعتذر لعمر بأنه لا رغبة له في الزواج ، فعرض عمر على أبي بكر الزواج من ابنته فلم يرد عليه ، فجاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، يشكو إليه إعراض أبي بكر وعثمان عن ابنته حفصه ، فقال صلى الله عليه وسلم : { يتزوج حفصة من هو خير من عثمان ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة } ، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتزوجها فلقي عمر أبا بكر ، فقال أبو بكر لعمر : "لا تغضب عليّ في نفسك ؛ فإن رسول الله كان قد ذكر حفصة ، فلم أكن لأُفشي سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو تركها لتزوجتها ، فكان زواج النبي صلى الله عليه وسلم من حفصة إكراماً لها ولأبيها وحُبّاً فيهما . دخلت حفصة رضي الله عنها بيت النبي صلى الله عليه وسلم وقد سبقتها سودة ، وعائشة وشرّفها الله سبحانه وتعالى بأن تكون زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم ، تقتبس من أنواره ، وتنهل من علمه ، بما حباها الله من ذكاء وفطنة وشغف للمعرفة وظهر ذلك من أسئلتها التي تُلقيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم استفهاماً للحكمة واستيضاحاً للحقيقة ، قال لها رسول الله يوماً : { لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد من الذين بايعوا تحتها } - يقصد يوم الحديبية - فردت حفصة بلى يا رسول الله : أليس الله عزوجل يقول :[ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلّا وَارِدَهَا ]، فأجابها :{ ثُمّ نُنُجّي الذينَ اتّْقَوْا وَنَذَرُ الظَالِمينَ فِيهَا جِثِيّاً } مريم72 وفي هذا دليل على قدرتها على المناظرة وحُبّها للفهم والتعلّم والإسترشاد دون مُعارضة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم . تمتعت رضي الله عنها بأكرم الصفات وعاشت حياتها مع النبي صلى الله عليه وسلم تؤدي واجبها نحوه على أكمل وجه وتصل نفسها بالله عزوجل ، تصوم بالنهار وتقوم الليل ، حتى اشتهرت بهذه الصفة وقدشهد لها جبريل بصلاحها وتقواها ، وذلك حينما طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يُراجعها بعد أن طلّقها تطليقة ، وقال له :" إنها صوّامة قوّامة وهي زوجتك في الجنة " .. كانت رضي الله عنها مُنفِقَة في سبيل الله زاهدة في الدنيا راغبة في الآخرة وبعد وفاة النبي الكريم كانت تحج كل عام بعد أن حجّتْ معه حجة الوداع ، وكانت حفصة رضي الله عنها من قُرّاء القرآن الكريم المعدودات من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، كانت قارئة كاتبة تلقت تعليمها على يد الشّفاء بنت عبد الله ، وكان النبي يشجع الشفاء على تعليم حفصة ، حتى أصبحت خطيبة مُفوّهة ، ومتحدثة بارعة ، يشهد لها بذلك ما نُقل عنها من خطب وأقوال ، وروت حفصة الكثير من الأحاديث عن النبي الكريم فقد روت عن أبيها ستين حديثاً ، وبعد وفاة النبي كان المسلمون يرجعون لها في بعض الأمور والفتاوى . أكرمها الله بأنها كانت تحفظ أوّل نسخة من المصحف الشريف والتي جمعها أبو بكر رضي الله عنه من أيدي الناس بعد أن مات أكثر القُرّاء ، وظلت معها حتى خلافة عثمان رضي الله عنه فنسخها ثم ردّها إليها فكانت في حوزتها إلى أن ماتت . توفيت في عهد معاوية بن أبي سفيان ، في جمادى الأولى سنة 41 للهجرة وكان عمرها 60 عاماً ، وصلى عليها أمير المدينة مروان بن الحكم ودُفنت بالبقيع ، رضي الله عنها وأرضاها . هنادي محمد عبد المجيد [email protected]