الحرية قيمة عسيرة الهضم على الذاتية لقد كان وسيظل أعداء الحرية المتربصين لها في كل موقف يتاح لهم كحرامية، لذا بذت الأيدي الخفية التي حجبت رسائل نشر الحرية عبر الأسافير تخفي نفسها خفاء الخفافيش في الظلام، إذ لا تقوى على الضوء الكاشف لها أمام الأنام، ولذلك من المحال أن يظهروا للعلن ليعلنوا الأسباب الموضوعية التي حضتهم على المصادرة أو حجب الرؤيا والروية، وبالجهل الذي لم يزل معشعشا في نفوسهم لم يسمعوا بذلك الفيلسوف الذي قال للآخر: أنا لا أفهم كلمة مما تقول، و لكنني على استعداد لدفع حياتي ثمناً لهذا القول. ولكن دعك من هذا الفيلسوف وغيره، ولنرجع لأصل الوجود وخيره، حين انتهى سبحانه وتعالى من خلق أبينا آدم من طين ثم من ضلع زوجته كرفيق مسكين، جعله يتبوأ من الجنة حيثما يشاء، اللهم إلا شجرة واحدة محرمة ، وبالحرية المتاحة له أقبل على ما المحرم! ثم ندم وتاب وتاب الله عليه وكان العقاب، إنزال إلى الأرض إلى يوم الحساب، حتى في الأرض ملكه سبحانه وتعالى الحرية بقوله الخالد {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ(29)} سورة الكهف، أي لك مطلق الحرية في أن تؤمن أو تكفر، ولكن تحمل نتيجة قرارك الحر فأما جزاء الثواب بنعيم مقيم وأما جزاء بجحيم، وليبقي سبحانه الجهل القابع بجوار العلم، جهلا يحرق اللسان قبل الحلم، فقتل الانسان ما أكفره.