رغم ظروف الحرب…. بدر للطيران تضم طائرة جديدة لأسطولها    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    المتّهم الخطير اعترف..السلطات في السودان تكشف خيوط الجريمة الغامضة    أنباء عن اغتيال ناظر في السودان    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    إسرائيل تستهدف القدرات العسكرية لإيران بدقة شديدة    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    الصادق الرزيقي يكتب: الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    فيكم من يحفظ (السر)؟    الحلقة رقم (3) من سلسلة إتصالاتي مع اللواء الركن متمرد مهدي الأمين كبة    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    التقى بروفيسور مبارك محمد علي مجذوب.. كامل ادريس يثمن دور الخبراء الوطنيين في مختلف المجالات واسهاماتهم في القضايا الوطنية    هيمنة العليقي على ملفات الهلال    نشاط مكثف لرئيس الوزراء قبل تشكيل الحكومة المرتقبة    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    شاهد بالصور والفيديو.. الفنان حسين الصادق ينزع "الطاقية" من رأس زميله "ود راوة" ويرتديها أثناء تقديم الأخير وصلة غنائية في حفل حاشد بالسعودية وساخرون: (إنصاف مدني النسخة الرجالية)    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط ضحكات المتابعين.. ناشط سوداني يوثق فشل نقل تجربة "الشربوت" السوداني للمواطن المصري    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    على طريقة البليهي.. "مشادة قوية" بين ياسر إبراهيم وميسي    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل حد الردة من الاسلام؟ (1/2) .. بقلم: الدكتور محمد المجذوب
نشر في سودانيل يوم 27 - 05 - 2014


https://www.facebook.com/muhammad.almajzoub
ان الإيمان بالله تعالي لا يفرض علي الإنسان فرضا ، ولا يمكن فرضه بالإكراه على الناس ، وانما يجعل الايمان بالله من لوازم الوضع الأخلاقي الاختياري للإنسان ، كونه يضمن سلامة العلاقة بين الانسان والله تعالي ، ولذلك انبني التصور الاسلامي على مبدأ حرية الايمان والاعتقاد ، وهو الذي يعطي مجموعة من الحقوق والحرمات ، التي على رأسها. الحق في حرية الفكر والتفكر ، وهو من أعظم الحقوق والحرمات في الرؤية الاسلامية حيث تحرير الفكر الإنساني ، ودعوته إلى التأمل والنظر في الكون ، فكثيرا ما تتكرر وتتاكد معاني وألفاظ العلم في القران دلالات مثل: التعقل ، والتدبر ، والفقه ، والتاويل ونحو ذلك ماني الفكر في الخطابات الإسلامية ، وورودها بهكذا كثرة يحمل دلالات مهمة اهمها ، انه ليس في الإسلام تقليد واستتباع بلا دليل واختيار ذاتي ، لاسيما مسالة الإيمان بالله تعالى الذي هو أسمى عقائد الإسلام ، حيث قامت البراهين والأدلة العقلية الصحيحة على وجود الله التي وافقتها الأدلة النقلية الصريحة وكذا الادلة العلمية السليمة ، واوجبت اخلاقياً وعقلانياً لزوم الايمان بالله تعالي.
فكان ان كانت حرية الفكر والتفكير والتعبير ، وحرية البحث ، عن الحقيقة في الكون والانسان امر مسلَّم به ، وعنصر هام في الرؤية الاسلامية يتضمن مبادئ الايمان الراسخ بالله تعالي ، كما ان الرؤية الإسلامية قد تضمنت امكانية الخطأ الانساني ، وجعله حالاً من احوال الإنسان في رحلة بحثه عن الحقيقة ، يقول تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ {البقرة/286} ، ويقول: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الأحزاب/5} ، ويقول عليه الصلاة والسلام: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان".
ودلالة ذلك إن من حق المؤمن أن ينكر ما يراه باطلاً متفقاً على بطلانه ، بل إن ذلك من واجبه ، ومن هذا الباب جعل الرسول عليه الصلاة والسلام أفضل أنواع الاستشهاد استشهاد رجل قام في وجه سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله ، كونه لا خير في مجتمع لا يدافع الظالم ، لأنه حينئذ لن يقول للمحسن أحسنت ، وهذا من أرقى أنواع النقد الذاتي ، ثم إن الرؤية الإسلامية لا مكان فيها لتحكم قلة قليلة تتحكم باسم الدين ، على الناس وعلى حركة عقولهم كما فعلت الكنيسة حتى باءت بهجران الناس لها ومحاصرة دَورَها الفكري والاجتماعي والسياسي ، مما جعل المجتمعات الأوربية لا تعرف للحرية معنى إلا بسبب ظلم الكنيسة يوم أن خرجوا على تعاليمها ، فتضخمت فكرة الحرية في الفكر الغربي كما لم تتضخم فكرة اخري ، في حين أن الرؤية الإسلامية جاءت بحرية الاعتقاد والايمان والتعبير والنصح منذ تنزلها الأول ، وحاربت في سبيل إقرار هذا المبدأ كل سلطان يعطل ملكة التفكير والتفكر التي وهبها الله تعالى للإنسان.
وفضلاً عن حق وحرمة الفكر والتفكير فهناك حرمة الإيمان والمعتقد ، كونها تتأسس على مبدأ الحق في حرية الاعتقاد ، كمحصول مهم لمقصد الحق الالهي والحرية والكرامة الإنسانية ، وهو المبدأ الأخلاقي الذي تأسس مع فجر الإسلام دون أن يطالب به فئة او حزب ، أو تقوم من أجله ثورة ، أو يحدث في سبيله انقلاب ، فقد جاء مبدأ الحق في حرية الايمان والاعتقاد في منظومة الايمان الديني كجزء لا يتجزأ من إقرار الوهية الله عظمته وكرامة الإنسان حرمته ، وغاية معنى حرمة الحرية في الاعتقاد هي أن الرؤية الإسلامية فكر قوي واثق من حقيقته ، ولذلك فانه لا يخشي من حالة الكفر به او الارتداد عنه ، ومن هنا فانه لا يسمح لسلطة مجتمع المسلمين إكراه أحد الناس على اعتناقه مع أنه هو الدين الحق ، ولا يجبر من لا يؤمن أن يترك عقيدته مع كونها باطلاً محضاً ، الا بالاقناع والاختيار لا بالاكراه.
كون أن الإيمان المعتد به عند الله تعالى ، هو ما كان عن اختيار وحرية ، يقول تعالى: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {البقرة /256}. ولذلك لا يُعاقِب الإسلام بالقتل لمن ارتد عن دين الإسلام ، وإنما يدع عقابه إلى الآخرة إذا مات على كفره ، كما في قوله تعالى: "وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" {البقرة/217} . وكما في قوله: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ * كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ {آل عمران 85/91}.
ويشمل هكذا حق وحرمة حتى أوليك الذين يجعلون من الدين ألعوبة يدخل فيها اليوم ويخرجون منه غدًا على طريقة بعض اليهود ، يقول تعالى: وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ {آل عمران /74} ، فلم يحكم الله تعالى عليهم بحكم القتل بالردة ، بل تنحصر وظيفة الرسول صلي الله عليه وسلم ومن ورائه سلطة المجتمع والقضاء في كونهم اسوة حسنة يبشرون وينزرون ويذكرون ويجادلون ويحاورون ويوضحون وينافحون عن وظائف الرسالة والنبوة ، يقول تعالى: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ * إِلَّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ * إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ {الغاشية 21/26} . ويقول: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ {ق/45}.
وعلى هذا فان الله الذي خلق الانسان بقدرته من العدم ترك أمر الايمان والالتزام بالدين والتدين أمراً اختيارياً فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وها هو ذا سبحانه ، يقول لرسوله صلي الله عليه وسلم: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ {يونس/99}. إن هذه الآيات الكريمة تؤكد أنه لا يجوز أن يجبر أحد على اعتناق أي عقيدة ، ولم تفرق الآيات بين أن يكون هذا المُجبَر نصرانيا أم ملحدا أم مرتدا عن الإسلام ، بل هي في سياقات عامة تمنع أي إكراه في الدين ، فآية البقرة في قوله تعالى: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ...الآية ، وإن كانت بصيغة الخبر ، لكنها تفيد الطلب. ولو قالت محكمة ما لانسان ما ، عليك أن تعود إلى الإسلام وإلا قتلتك ، لكان هذا إكراها واضحاً ، والآية تمنع الإكراه ، لذا فهي تمنع مثل هذا الحكم والقول وتحرمه.
وعلى هذا المعنى يجب ان توضع وتراجع نصوص قوانين العقوبات في مجتمعات المسلمين ، وان تحذف منها تلك النصوص التى تنص على قتل المرتد او الملحد ، أما القول بأن الإكراه المنهي عنه في الآية محصور في الإكراه على الدخول الى دين الاسلام ابتداء ، وأن الإكراه على الرجوع إلى الدين يقع تحت طائلة القتل غير داخل في عموم الآية ، فان هذا تحكم في الدلالة يأباه السياق كاداة حاكمة على انتاج المعني في الخطاب القراني ، خصوصاً وأن الآية وردت بصيغة من أقوى صيغ العموم وهي النكرة في سياق النفي والنهي: "لا إكراه".
وعلى هذا فلا عقاب قضائي في الدنيا على المرتد عن دين الإسلام ، يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {المائدة /54} ، إذ لا توجد في الآية أوامر للسلطة القضائية للمجتمع بقتل المرتدين ، اما لفظة الجهاد هنا - وبحسب السياق- فمقصود بها الكلمة والحجة القرآنية والمجاهدة الفكرية والعلمية التي تفحم الكفرة بالدين وليس قتلهم ، يقول تعالي: إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ * وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ {المنافقون1/4}.
ويقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً * بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا {النساء136/138} ، وهكذا نلاحظ انه ليس ثمة أوامر تدعو لقتلهم بل على العكس فإن الانصراف عنهم وتركهم أحياء فرصة لهم من الله ليتوبوا ويعودوا إلى رشدهم مرة أخرى قبل أن يدركهم الموت ، كون قتل المرتد يحرمه من فرص التوبة المتجددة بحكم قانون الابتلاء الذي يحكم العلاقة بين الالهي والانساني ، وهو معنى قوله تعالى: وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا {الكهف/29} ، إنه اذن ابتلاء إرادة الإنسان ومشيئته التي سيحاسب عليها أمام خالقه تعالى يوم القيامة.
كما هو ما يفهم من قوله تعالى: مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ * لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ * ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ {النحل 106/110} ، وهكذا نجد اجتماع دلالة السياقات القرانية على تأجيل عقاب الذي يكفر بعد الإيمان إلى يوم القيامة وليس لأحد أن يقتله بحد الردة كما يزعمون ، كون إن الآيات القرآنية التي تحدثت عن المرتد لم تذكر له أي عقوبة قضائية في الدنيا ، بل قصرت ذلك على العقوبة عند الله يوم القيامة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.