تكية الفاشر تواصل تقديم خدماتها الإنسانية للنازحين بمراكز الايواء    تايسون يصنف أعظم 5 ملاكمين في التاريخ    دورات تعريفية بالمنصات الرقمية في مجال الصحة بكسلا    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: الدور العربي في وقف حرب السودان    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    ريال مدريد لفينيسيوس: سنتخلى عنك مثل راموس.. والبرازيلي يرضخ    مقتل 68 مهاجرا أفريقيا وفقدان العشرات إثر غرق قارب    توّترات في إثيوبيا..ماذا يحدث؟    اللواء الركن (م(أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: موته وحياته سواء فلا تنشغلوا (بالتوافه)    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    السودان..إحباط محاولة خطيرة والقبض على 3 متهمين    دبابيس ودالشريف    منتخبنا المدرسي في مواجهة نظيره اليوغندي من أجل البرونزية    بعثة منتخبنا تشيد بالأشقاء الجزائرين    حادثت محمد محمد خير!!    هل محمد خير جدل التعين واحقاد الطامعين!!    دقلو أبو بريص    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    حملة في السودان على تجار العملة    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل حد الردة من الاسلام؟ (1/2) .. بقلم: الدكتور محمد المجذوب
نشر في سودانيل يوم 27 - 05 - 2014


https://www.facebook.com/muhammad.almajzoub
ان الإيمان بالله تعالي لا يفرض علي الإنسان فرضا ، ولا يمكن فرضه بالإكراه على الناس ، وانما يجعل الايمان بالله من لوازم الوضع الأخلاقي الاختياري للإنسان ، كونه يضمن سلامة العلاقة بين الانسان والله تعالي ، ولذلك انبني التصور الاسلامي على مبدأ حرية الايمان والاعتقاد ، وهو الذي يعطي مجموعة من الحقوق والحرمات ، التي على رأسها. الحق في حرية الفكر والتفكر ، وهو من أعظم الحقوق والحرمات في الرؤية الاسلامية حيث تحرير الفكر الإنساني ، ودعوته إلى التأمل والنظر في الكون ، فكثيرا ما تتكرر وتتاكد معاني وألفاظ العلم في القران دلالات مثل: التعقل ، والتدبر ، والفقه ، والتاويل ونحو ذلك ماني الفكر في الخطابات الإسلامية ، وورودها بهكذا كثرة يحمل دلالات مهمة اهمها ، انه ليس في الإسلام تقليد واستتباع بلا دليل واختيار ذاتي ، لاسيما مسالة الإيمان بالله تعالى الذي هو أسمى عقائد الإسلام ، حيث قامت البراهين والأدلة العقلية الصحيحة على وجود الله التي وافقتها الأدلة النقلية الصريحة وكذا الادلة العلمية السليمة ، واوجبت اخلاقياً وعقلانياً لزوم الايمان بالله تعالي.
فكان ان كانت حرية الفكر والتفكير والتعبير ، وحرية البحث ، عن الحقيقة في الكون والانسان امر مسلَّم به ، وعنصر هام في الرؤية الاسلامية يتضمن مبادئ الايمان الراسخ بالله تعالي ، كما ان الرؤية الإسلامية قد تضمنت امكانية الخطأ الانساني ، وجعله حالاً من احوال الإنسان في رحلة بحثه عن الحقيقة ، يقول تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ {البقرة/286} ، ويقول: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الأحزاب/5} ، ويقول عليه الصلاة والسلام: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان".
ودلالة ذلك إن من حق المؤمن أن ينكر ما يراه باطلاً متفقاً على بطلانه ، بل إن ذلك من واجبه ، ومن هذا الباب جعل الرسول عليه الصلاة والسلام أفضل أنواع الاستشهاد استشهاد رجل قام في وجه سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله ، كونه لا خير في مجتمع لا يدافع الظالم ، لأنه حينئذ لن يقول للمحسن أحسنت ، وهذا من أرقى أنواع النقد الذاتي ، ثم إن الرؤية الإسلامية لا مكان فيها لتحكم قلة قليلة تتحكم باسم الدين ، على الناس وعلى حركة عقولهم كما فعلت الكنيسة حتى باءت بهجران الناس لها ومحاصرة دَورَها الفكري والاجتماعي والسياسي ، مما جعل المجتمعات الأوربية لا تعرف للحرية معنى إلا بسبب ظلم الكنيسة يوم أن خرجوا على تعاليمها ، فتضخمت فكرة الحرية في الفكر الغربي كما لم تتضخم فكرة اخري ، في حين أن الرؤية الإسلامية جاءت بحرية الاعتقاد والايمان والتعبير والنصح منذ تنزلها الأول ، وحاربت في سبيل إقرار هذا المبدأ كل سلطان يعطل ملكة التفكير والتفكر التي وهبها الله تعالى للإنسان.
وفضلاً عن حق وحرمة الفكر والتفكير فهناك حرمة الإيمان والمعتقد ، كونها تتأسس على مبدأ الحق في حرية الاعتقاد ، كمحصول مهم لمقصد الحق الالهي والحرية والكرامة الإنسانية ، وهو المبدأ الأخلاقي الذي تأسس مع فجر الإسلام دون أن يطالب به فئة او حزب ، أو تقوم من أجله ثورة ، أو يحدث في سبيله انقلاب ، فقد جاء مبدأ الحق في حرية الايمان والاعتقاد في منظومة الايمان الديني كجزء لا يتجزأ من إقرار الوهية الله عظمته وكرامة الإنسان حرمته ، وغاية معنى حرمة الحرية في الاعتقاد هي أن الرؤية الإسلامية فكر قوي واثق من حقيقته ، ولذلك فانه لا يخشي من حالة الكفر به او الارتداد عنه ، ومن هنا فانه لا يسمح لسلطة مجتمع المسلمين إكراه أحد الناس على اعتناقه مع أنه هو الدين الحق ، ولا يجبر من لا يؤمن أن يترك عقيدته مع كونها باطلاً محضاً ، الا بالاقناع والاختيار لا بالاكراه.
كون أن الإيمان المعتد به عند الله تعالى ، هو ما كان عن اختيار وحرية ، يقول تعالى: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {البقرة /256}. ولذلك لا يُعاقِب الإسلام بالقتل لمن ارتد عن دين الإسلام ، وإنما يدع عقابه إلى الآخرة إذا مات على كفره ، كما في قوله تعالى: "وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" {البقرة/217} . وكما في قوله: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ * كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ {آل عمران 85/91}.
ويشمل هكذا حق وحرمة حتى أوليك الذين يجعلون من الدين ألعوبة يدخل فيها اليوم ويخرجون منه غدًا على طريقة بعض اليهود ، يقول تعالى: وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ {آل عمران /74} ، فلم يحكم الله تعالى عليهم بحكم القتل بالردة ، بل تنحصر وظيفة الرسول صلي الله عليه وسلم ومن ورائه سلطة المجتمع والقضاء في كونهم اسوة حسنة يبشرون وينزرون ويذكرون ويجادلون ويحاورون ويوضحون وينافحون عن وظائف الرسالة والنبوة ، يقول تعالى: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ * إِلَّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ * إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ {الغاشية 21/26} . ويقول: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ {ق/45}.
وعلى هذا فان الله الذي خلق الانسان بقدرته من العدم ترك أمر الايمان والالتزام بالدين والتدين أمراً اختيارياً فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وها هو ذا سبحانه ، يقول لرسوله صلي الله عليه وسلم: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ {يونس/99}. إن هذه الآيات الكريمة تؤكد أنه لا يجوز أن يجبر أحد على اعتناق أي عقيدة ، ولم تفرق الآيات بين أن يكون هذا المُجبَر نصرانيا أم ملحدا أم مرتدا عن الإسلام ، بل هي في سياقات عامة تمنع أي إكراه في الدين ، فآية البقرة في قوله تعالى: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ...الآية ، وإن كانت بصيغة الخبر ، لكنها تفيد الطلب. ولو قالت محكمة ما لانسان ما ، عليك أن تعود إلى الإسلام وإلا قتلتك ، لكان هذا إكراها واضحاً ، والآية تمنع الإكراه ، لذا فهي تمنع مثل هذا الحكم والقول وتحرمه.
وعلى هذا المعنى يجب ان توضع وتراجع نصوص قوانين العقوبات في مجتمعات المسلمين ، وان تحذف منها تلك النصوص التى تنص على قتل المرتد او الملحد ، أما القول بأن الإكراه المنهي عنه في الآية محصور في الإكراه على الدخول الى دين الاسلام ابتداء ، وأن الإكراه على الرجوع إلى الدين يقع تحت طائلة القتل غير داخل في عموم الآية ، فان هذا تحكم في الدلالة يأباه السياق كاداة حاكمة على انتاج المعني في الخطاب القراني ، خصوصاً وأن الآية وردت بصيغة من أقوى صيغ العموم وهي النكرة في سياق النفي والنهي: "لا إكراه".
وعلى هذا فلا عقاب قضائي في الدنيا على المرتد عن دين الإسلام ، يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {المائدة /54} ، إذ لا توجد في الآية أوامر للسلطة القضائية للمجتمع بقتل المرتدين ، اما لفظة الجهاد هنا - وبحسب السياق- فمقصود بها الكلمة والحجة القرآنية والمجاهدة الفكرية والعلمية التي تفحم الكفرة بالدين وليس قتلهم ، يقول تعالي: إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ * وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ {المنافقون1/4}.
ويقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً * بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا {النساء136/138} ، وهكذا نلاحظ انه ليس ثمة أوامر تدعو لقتلهم بل على العكس فإن الانصراف عنهم وتركهم أحياء فرصة لهم من الله ليتوبوا ويعودوا إلى رشدهم مرة أخرى قبل أن يدركهم الموت ، كون قتل المرتد يحرمه من فرص التوبة المتجددة بحكم قانون الابتلاء الذي يحكم العلاقة بين الالهي والانساني ، وهو معنى قوله تعالى: وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا {الكهف/29} ، إنه اذن ابتلاء إرادة الإنسان ومشيئته التي سيحاسب عليها أمام خالقه تعالى يوم القيامة.
كما هو ما يفهم من قوله تعالى: مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ * لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ * ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ {النحل 106/110} ، وهكذا نجد اجتماع دلالة السياقات القرانية على تأجيل عقاب الذي يكفر بعد الإيمان إلى يوم القيامة وليس لأحد أن يقتله بحد الردة كما يزعمون ، كون إن الآيات القرآنية التي تحدثت عن المرتد لم تذكر له أي عقوبة قضائية في الدنيا ، بل قصرت ذلك على العقوبة عند الله يوم القيامة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.