أيام حكومة مايو واحتفالاتها بعيد الثورة في 25 مايو من كل عام ، كنت حضوراً مع نفر من أصدقائي في السينما الوطنية بحلفا الجديدة في حفل مفتوح للمناسبة أعلاه تبارى فيه أصحاب الموهبة في ضروب الأدب من غناء وشعر ومسرح من أبناء المنطقة ، وفي إحدى الوصلات الغنائية التي كانت بالعربية والنوبية تغنى أحد الفنانين وقال (بص السريع خرطومل جونا) بمعنى أن البص السريع يمشي الخرطوم ، ومن وسط صمت الناس وترقبهم انبرى صوت عالٍ يقول (ما دا شغلو حيعمل شنو غير يمشي الخرطوم) فتعالت ضحكات الناس من سخرية الرجل وسرعة بديهته ، تذكرت هذه الطرفة وأنا أشاهد مجموعة من النسوة المحسوبات على حزب الأمة في مطار الخرطوم وكنّ في استقبال المنصورة مريم وزيرة الخارجية وهي قادمة من دولة افريقية طويلة ناقشت فيها موقف السودان من سد النهضة كما أوردت الأنباء ، رددت النساء في استقبالهنّ للمنصورة الله أكبر ولله الحمد وكانت مريم تررد معهنّ ، تساءلت ألم تكن هذه الزيارات في إطار واجبات وزيرة الخارجية المعتادة ! ثم ما هو النجاح الدبلوماسي الذي حققته حتى يتم استقبالها بتلك الكيفية الغريبة ! أم في الأمر كسب سياسي متوقع ، رغم أن هذه الزيارات التي لا طائل منها وجدت الاستهجان الكامل من كل شرائح المجتمع وحتى من رجل الشارع العادي بل كانت مصدر سخرية واستهزاء ، وعند البعض وجدت تحليلاً أكثر عمقاً مفاده أن أحزابنا السياسية للأسف لا تستفيد من تجارب الماضي القريب والبعيد ولا تتطور مع الزمن ولا تدرك مدى الوعي الذي أصبحت فيه الجماهير السودانية فضلاً عن أن هذا التعاطي الساذج بهذه المشاهد ينم من غير شك ولبس أن هذه الأحزاب ما زالت في ضلالها القديم وأنها غير جادة حتى في تعاطيها مع القضايا الوطنية عالية الحساسية وهي لا تدرك أيضاً أن هذه المشاهد مع مرور الأيام ترسخ وتقوي زهد الناس في الحياة الديمقراطية والانفتاح بل تندم على كل هبة وثورة قدموا فيها الدماء والمهج لتعتلي المنصة هذه المشاهد التي أقل ما يقال عنها إنها (ضحك على الدقون) ومع الزمن (والقرف اليومي) تشرع الأبواب لمغامر آخر يأتي على ظهر دبابة ونصبح يا أبو زيد كأنك ما غزيت . حزب الأمة حزب رائد ووطني ومسؤوليته الوطنية في الحفاظ على الديمقراطية مؤكدة فلا تفسدوا هذا التاريخ العريق والمجاهدات المثبتة لهذه المشاهد غير المسؤولة .