وأنت تستمع إلى الفنان عبد الكريم الكابلي، رحمه الله، تحس بوضوح مقدرته الفائقة في كتابة كلمات أغانيه بروح مليئة بالفرح والحركة الرشيقة، وبتعابير متجددة تحمل الحياة بكل جمالها وألقها، وله مقدرة كبيرة في وضع اللحن الذي يسوق إليك هذه الكلمات، استمع إليه وهو يغني (فيك يا مروي) بتجانس كبير بين اللحن والكلمات والطبيعة، رسم بالصوت والكلمات في آن واحد…. ومهما زاد وجدي ما بسيب الريد لأني قلبي حنين يعشق التغريد بي محاسن الكون وبي جمال الغيد يلا نمشي النيل بين رمال ونخيل.. يغني لينا جميل .. تجد التعبير الموسيقي في روعته يسوقك سوقاً وبخطى متلاحقة تحسها بنفسك في سرعة الإيقاع، وهو يدفعك دفعاً، واصفاً لك مسار الطريق… بين رمال ونخيل تجد من يغني لك (بوبا عليك تقيل القمر بوبا) . لا ينسى الكابلي، وهو في قمة وجده، معرفته بالتراث الذي عشقه وباقتباس جميل من الأغنية النوبية بوبا عليك تقيل يضيف إلى كلماته هذا المقطع، واصفاً رقة المحبوب، وأن القمر بوبا يثقل عليه (كانت النساء تتجمل بلبس العكش وهو من الذهب يعلق كالقرط بالأذن)… استطاع الكابلي بأدائه أن يولد رؤى فنية رقيقة يا مريسيل تعال نوصيك .. في الرمال الصيد بلاقيك.. هو بعزمك ويعتلق فيك.. قولو حالف ما بباريك.. وما بدليها التهمة فيك…. ترى العفة حتى في وصاياه للمريسيل الذي لاطفه بصيغة التصغير؛ ليزيده جمالاً وألقاً، ويبعد عنه حتى الشبه، وأن المتتبع لهذه الأغنية يجد أن الفنان الكابلي ترك للموسيقى أن تتحدث بوضوح، وأبعد نفسه تماماً خوفاً على المحبوب وهو يراه على البعد. شوف فلانة الواردة وحواء…(حواء هنا ليست اسما إنما قصد الأنوثة) سكنت قلبي من جوة.. واتغابت فوقنا الخوة.. تحكي خطو الريل العايرة.. علي نغم الساقية الدايرة… والتي تقول والله ظلم علينا ظلم يا ناس القوز علينا ظلم شال السيدة وخلى حرم… سفر الثلاثاء ولا عدم.. سعينا الريد جنينا حكم وقلنا الحب والله قسم… سمها السيدة تعريفاً، ولم يذكر اسم المحبوب ربما لأنه غريب في المنطقة، رغم أن أهل الشمال كثيراً ما يذكروا اسم المحبوب بأغانيهم مثل يا آسيا يا شادية، وهكذا تمضي هذه الأغنية الرائعة إلى نهاياتها. فقد سميت هذه الخاطرة بمراسيل الكابلي الذي كثيراً ما ينزع من نفسه مرسالاً ما يحمل رسائله لمن يقصد من أصدقائه وأحبائه.. تجده في الأغنية التي كتب كلماتها للفنان أبو عركي (جبل مرة) رسمها بكلمات مليئة بجمال الطبيعة وسحرها وحركتها… مرسال الشوق يا الكلك ذوق.. اغشى الحبان في كلي مكان … قول ليهم شفنا جبل مرة.. وعشنا اللحظات حب ومسرة.. بين غيمة تغازل كل زهرة.. وخيال رمانة على المجرى.. هذا هو الفنان الكابلي المحب للحياة يرسمها بدقة ويصف جمالها…في وطني الغالي جبل مرة. كما نجد له مرسالاً آخر عندما كان يعاني مرارة الغربة ببعده عن الوطن، ويبحث عن السلوى. قبال ما الصور تنشال.. علي خيوط الأمل والفال.. وصبح الناس يجيك مرسال… يشيلك فوق وسط عينين.. يوديك مقرن النيلين… يخدر فيك عقيد ياسمين.. وتقوم شتلة محنة مثال أريجا دعاش وحزمة نال غريب والغُربة أقصى نضال.. غريب والغُربة سترة حال…. رحم الله الفنان المبدع عبد الكريم الكابلي فقد أثرى وجدان الشعب السوداني بجميل كلماته وألحانه، حال كل المبدعين كتب قبل فترة كلمات في الوجد الإلهي متأملاً وواصفاً لخلجات نفسه: يا من يتنزه عن أعوان من حسنك تأتلق الأكوان وبنورك تبصر عيوننا فنراك جمالاً كل آن فعال صمد وعزيز في عزك قد عز الإنسان زانت أفضالك أنفسنا حسناً يتباهى في الإمعان فالزرقة كون يتباهى بحر وسماء اطمئنان والفلك مدارات أسرى كاللجة تحكمها الشطآن في بحرك تحي أخلاف من حجم الدودة للحيوان وكنوز تشتاق عذارى تحلم باللؤلؤ والمرجان إلى أن يقول: أشتاق لقاءك يا ربي في لهفة صوفي نشوان روحي لسمائك تسبقني أما قيدي والجسم الفان سيعود زهوراً ووروداً في تربة مرسمك الألوان