الفاشر..استشهاد عدد كبير من عناصر مبادرات التكايا والمتطوعين    وزارة الثقافة والإعلام تدين اعتقال الصحفي معمر إبراهيم من قبل الميليشيا المتمردة وتطالب بالإفراج الفوري عنه    شاهد بالصورة والفيديو.. الأولى في عهد الخليفة التعايشي.. "الجنجاويد" يغتالون "الطيرة" للمرة الثانية في التاريخ    التّحْليل (الفَلسَفِي) لمُبَاراة الهِلَال والبولِيس    سيطرة عربية.. الفرق المتأهلة إلى مجموعات دوري أبطال إفريقيا    الإعيسر: السودان أقوى من أي مؤامرة، وأبناؤه أوفى وأصلب من أن تكسر عزيمتهم بالأكاذيب    لاعبو ريال مدريد يطاردون يامال.. والشرطة تتدخل    المؤتمر السوداني: الميليشيا ارتكبت عمليات قتل وتصفية جماعية بعد انسحاب الجيش    السابع من يناير 2026 موعدا لبدء الدوري الممتاز    الأهلي الفريع ينتصر على الرابطة وسط جدل تحكيمي كبير في دوري الدامر    "الوقود" يتسبّب في تعليق الدراسة بدولة إفريقية    أصحاب الأرض يكسبون كلاسيكو الأرض    تدوينة لوزير الإعلام السوداني بشأن الفاشر    شاهد بالفيديو.. الممثلة المصرية رانيا فريد شوقي تغني الأغنية السودانية الشهيرة (الليلة بالليل نمشي شارع النيل) وتعلق باللهجة السودانية: (أها يا زول.. المزاج رايق شديد والقهوة سِمحه عديل كده)    شاهد بالصور.. الفنان صديق عمر ينشر محادثات بينه وبين مطرب شهير: (زمان كان بخش لي في الخاص وراقد زي الشافع للحقنة وهسا لمن احتجت ليهو حلف ما يرد.. فرفور أصلو ما غلطان عليكم)    شاهد بالصور.. الفنان صديق عمر ينشر محادثات بينه وبين مطرب شهير: (زمان كان بخش لي في الخاص وراقد زي الشافع للحقنة وهسا لمن احتجت ليهو حلف ما يرد.. فرفور أصلو ما غلطان عليكم)    شاهد بالفيديو.. ندى القلعة لأحد "القحاتة": (أمشي شوف ليك "داية" تحلك ما عندي مستشفى ولادة هنا وانتو يا القحاتة حلكم في ولادة الحبل)    جود بيلينغهام يمنح ريال مدريد فوزاً مستحقاً على برشلونة    ترامب: أحب إيقاف الحروب    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تربط جميع مكاتبها داخل السودان بشبكة الألياف الضوئية لتسهيل إستخراج الفيش    طرد كيليان مبابي وأذاق برشلونة 5 هزائم.. من هو حكم الكلاسيكو؟    تطوّرات بشأن"مدينة الإنتاج الحيواني" في السودان    ستيلا قايتانو.. تجربة قصصية تعيد تركيب الحرب في السودان    الديوان الملكي: وفاة الأميرة نوف بنت سعود بن عبدالعزيز    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    أمين تجار محاصيل القضارف : طالبنا الدولة بضرورة التدخل لمعالجة "كساد" الذرة    والي النيل الأبيض يدشن كهرباء مشروع الفاشوشية الزراعي بمحلية قلي    شاهد بالفيديو.. الفنانة عشة الجبل توجه رسالة للفنانين والفنانات وتصفهم بالمنافقين والمنافقات: (كلام سيادتو ياسر العطا صاح وما قصده حاجة.. نانسي عجاج كاهنة كبيرة والبسمع لفدوى الأبنوسية تاني ما يسمع فنان)    متى تسمح لطفلك بالحصول على جهاز ذكي؟ خبير أميركي يجيب    السودان يعلن عن اتّفاق مع روسيا    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    «انتصار» تعلن عن طرح جزء جديد من مسلسل «راجل وست ستات»    علي الخضر يكتب: نظرة الى اتفاق الصخيرات .. لماذا تسعى الإمارات لتخريب مبادرة الرباعية ؟    معلومات مهمّة لمسؤول سكك حديد السودان    شاهد.. "بقال" يواصل كشف الأسرار: (نجوت من 3 محاولات اغتيال في نيالا والدور على عمر جبريل.. الضابطة "شيراز" زوجت إبنتها التي تبلغ من العمر 11 عام لأحد قيادات الدعم السريع والآن مستهدفة لهذا السبب)    ترامب: نهاية حماس ستكون وحشية إن لم تفعل الصواب    تحذير من تموضع حوثي عبر غطاء إيراني قرب السواحل السودانية    إحباط تهريب مواد كيميائية وبضائع متنوعة بولاية نهر النيل    وفاة الكاتب السوداني صاحب رواية "بيضة النعامة" رؤوف مسعد    قوات الدفاع المدنى تنجح فى إنتشال رفاة جثتين قامت المليشيا المتمردة بإعدامهما والقت بهما داخل بئر بمنزل    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    إيران تلغي "اتفاق القاهرة" مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية    بدء عمليات حصاد السمسم بالقضارف وسط تفاؤل كبير من المزارعين    ترامب يتوعد: سنقضي على حماس إن انتهكت اتفاق غزة    القضارف.. توجيه رئاسي بفك صادر الذرة    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط عدد( 74) جوال نحاس بعطبرة وتوقف المتورطين    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    تطوّرات مثيرة في جوبا بشأن"رياك مشار"    هكذا جرت أكاذيب رئيس الوزراء!    جريمة اغتصاب "طفلة" تهز "الأبيض"    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    وزير الصحة يشارك في تدشين الإطار الإقليمي للقضاء على التهاب السحايا بحلول عام 2030    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    الاقصاء: آفة العقل السياسي السوداني    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدبلوماسيّة أمْ الحَرْب؟: الولايات المُتّحِدَة وروسيا ومحادثات "مُعَقَّدَة" حول أوكرانيا، انْتَهت كما بَدأت!
نشر في السوداني يوم 12 - 01 - 2022

لا ريب أنّ موضوع الساعة على الساحة السياسيّة الدوليّة هو اجتماع المجلس المشترك لحلف شمال الأطلسي وروسيا الذي من المُنْتظر أنْ يلتئم اليوم الأربعاء 12 يناير الجاري، فيما عُقِدَت أمس الأول الاثنين في جنيف اجتماعات ثنائيّة بين روسيا والولايات المُتّحِدَة الأمريكيّة على مستوى نائبي وزيري الخارجيّة حول خلافهما في أوكرانيا، ولذا كان الأمر محلّ اهتمام الصُحف ووكالات الأنباء الأوربيّة.
وكتبت صحيفة (أديفارول) الرومانية نقلاً عن قناة (دويتشي فيلي) الألمانية أن الكرملين أوحى بأنّه ليس مُهتمّاً بالتوصُّل إلى حلٍّ وسط، وإنّما فقط بقبول الغرب لشروطه، ولن يقبل بمفاوضات مُطوّلة مع الولايات المُتّحِدَة على غرار ما جرى بينهما أبان الحرب البارِدة، ولن يتخلى عن الضمانات الأمنيّة الإلزاميّة التي يطلبها من الغرب، خاصة عدم قبول أعضاء جدد في حلف شمال الأطلسي من الجمهوريات السوفيتية السابقة، والمقصودة هنا أوكرانيا وجورجيا، وخفض حجم القوات الأطلسيّة في أوروبا الوسطى وجمهوريات البلطيق، وعدم نصب صواريخ قصيرة ومُتوسِطة المدى في أوروبا. وإذا أوفى الحلف الأطلسي بهذه الشروط، عندئذ سيفكر بوتين في سحب قواته من منطقة الحدود الأوكرانيّة. إلّا أن بوتين يعي أنّ الحلف لا يستطيع القبول بمطالبه، لأنّها تساوي منح روسيا حق الفيتو على قرارات الحلف، ووضع حدّ لوجود الناتو عملياً، علما بأنّ الولايات المُتّحِدَة قدمت كل ما تمكّنت تقديمه لروسيا، بيد أنّ بوتين يستمِرّ في الضغط على الغرب، لأنه يعي أن الغرب وخاصة الاتحاد الأوروبي مُصاب بالضُعْفِ جراء الجائحة وانعدام قيادة مُنَسّقة ومع ذلك يريد مُساعدة أوكرانيا في برنامج تحديث قواتها البحريّة وتعزيز التعاون مع دول أعضاء في الحلف الأطلسي كتركيا التي زودت أوكرانيا بطائرات مسيرة، من الممكن أن تضمن انتصار القوات النظاميّة على الانفصاليين في المناطق الشرقية. ومن ناحية أخرى، يريد بوتين استغلال السانحة التي يوفِّرها ضُعْف القيادة الاجتماعيّة الديمقراطيّة في ألمانيا وقرب الانتخابات الرئاسيّة في فرنسا فضْلاً عن أنّه يعتبِر الحرب مع أوكرانيا ضرورة استراتيجيّة وقضية مُرْتَبِطة بالتُراث التاريخي.
* واشنطن وسياسة الباب المفتوح:
والى ذلك صرّحت ويندي شيرمان، نائبة وزير الخارجية أنطوني بلينكين، مباشرة عقب مباحثات يوم الاثنين 10 يناير الجاري بإن ما يُسمّى بمقترحات روسيا الأمنيّة غير مقبولة، وأن الولايات المُتّحِدَة لن تسمح لأي شخص بإنهاء سياسة الباب المفتوح التي يتّبِعها الناتو.
وبحسب شيرمان، عقد الوفدان الأمريكي والروسي محادثات صريحة ومباشرة في جنيف لمدة ثماني ساعات تقريباً. وقالت إنّها ونظيرها الروسي سيرجي ريابكوف طرحا فرض حظر مُتبادل على الصواريخ والمناورات العسكريّة في أوروبا، لكن الولايات المُتّحِدَة رفضت بشدة دعوة روسيا لوقف توسُّع الناتو. وشدّدت شيرمان بإنّ "سياسة الباب المفتوح" التي يتبعها الناتو ستستمِرّ، وأضافت إن الجانب الروسي لم يستجِب لطلب "تهدئة" الوضع على الحدود مع أوكرانيا، وحذّرت الولايات المُتّحِدَة من غزو روسي جديد.
من جانِبه، وصف سيرجي ريابكوف محادثات جنيف بالمِهنيّة، لكنه قال إن هناك حاجة إلى بعض التنازلات. واوضح المسؤول الروسي إن الوضع "ليس بائساً"، وبدوره هدّد مجدّداً بخطر المواجهة، رغم أنه زعم قبل المؤتمر أن روسيا "لا تنوي" مهاجمة أوكرانيا. وبحسب ريابكوف، ستقرر موسكو مواصلة المحادثات مع واشنطن بعد الاجتماعات المقررة هذا الأسبوع مع الناتو ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
ويُذكر أنّ نائب وزير الخارجيّة الروسي سيرجي ريابكوف كان قد قال إنّه أجرى مناقشة "معقدة" ليلة الأحد 9 يناير الجاري مع نظيرته الأمريكيّة ويندي شيرمان في بداية أسبوع دبلوماسي محفوف بالمخاطِرِ لمحاولة نزع فتيل الأزمة المُتفجِّرة بشأن أوكرانيا، وفق ما ذكرته وكالة فرانس برس التي نقلت عنها صحيفة (اديفارول) الرومانيّة.
ونقلت وكالة أنباء انترفاكس عن سيرجي ريابكوف قوله مساء يوم الاحد الماضي، بعد عشاء عمل استمر ساعتين في جنيف مع ويندي شيرمان، إنّ "المناقشات مُعقدة، ولا يمكن أنْ تكون سهلة". ووصف المُحادثات بأنها "جادة"، مُضيفاً "أعتقد أنّنا لن نضيّع وقتنا سُدى".
الجدير بالمُلاحظة أنّ الولايات المُتّحِدَة وروسيا اتخذتا موقِفاً حازِماً قبل هذه المفاوضات، فحذّرت واشنطن من مخاطِر "المواجهة" واستبعدت موسكو تقديم أيّة تنازلات. وحثّ وزير الخارجية الأمريكيّة أنتوني بلينكن روسيا على تجنب المزيد من "العدوان الأوكراني" واختيار الوسائل الدبلوماسيّة، بينما يطالب الكرملين لسحب قواته من الحدود الأوكرانيّة بضمانات أمنيّة من الدول الغربيّة في أوروبا، على أنّ الناتو لن يتوسّع شرقاً.
وخلال عشاء العمل، شدّدت ويندي شيرمان "على دعم الولايات المُتّحِدَة للمبادئ الدوليّة للسيادة ووحدة الأراضي وحُرْيّة الدول ذات السيادة في اختيار تحالفاتها"، وفقاً لبيان صادر عن الخارجيّة الأمريكيّة. وقبل ساعات قليلة من العشاء، قال سيرجي ريابكوف، وفقا لوكالات الأنباء الروسيّة، إنه "يشعُر بخيبة أمل إزاء الإشارات الواردة في الأيام الأخيرة من واشنطن، وأيضا من بروكسل"، حيث يقع مقر الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
* أسبوعٌ دبلوماسيٌ مُكَثَّفٌ:
هذا وأطلق اجتماع جنيف الثنائي أسبوعاً دبلوماسيّاً مُكثّفاً، فبالإضافة إلى المحادثات الأمريكيّة الروسيّة في سويسرا، من المقرر عقد اجتماع الناتو وروسيا اليوم الأربعاء في بروكسل، يليه اجتماع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) في فيينا غداً الخميس ليشمل الأوروبيين الذين يخشون من تهميشهم. وكان أنتوني بلينكين قد صرّح لشبكة (سي ان ان) يوم الأحد الماضي بأنّ "هناك طريق للحوار والدبلوماسيّة لمحاولة حل بعض هذه الخلافات"، وأضاف "الطريق الآخر هو المواجهة بنتائجها الحاسمة بالنسبة لروسيا إذا كرّرت عدوانها على أوكرانيا، وعلينا أنْ نرى لاحِقاً الاتجاه الذي يرغب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السير فيه".
ويتهم الغرب وكييف روسيا بنشر عشرات الآلاف من القوات على الحدود الأوكرانيّة ويخطِّط لغزو مُحْتمل، وهدَّدا فلاديمير بوتين بفرض عقوبات "ضخمة" وغير مسبوقة إذا هاجم أوكرانيا مرة أخرى، قد تصل إلى حد استبعاد روسيا من النظام المالي الدولي أو منع الكرملين من مُتابعة تنفيذ خط أنابيب نورد ستريم 2 الذي تراهن عليه موسكو لإيصال الغاز الى المانيا واوروبا الغربية وتفادي عبوره اوكرانيا. وتهدف الدول الغربية هذه المرّة لتكون أكثر تصميماً مما كانت عليه عام 2014، عندما ضمّت موسكو شبه جزيرة القرم الأوكرانيّة دون أن ينجح التحالف الأمريكي الأوروبي في منعها أو إيقافها.
ومن جهته حذّر الرئيس فلاديمير بوتين، الذي تحدّث مرّتين مع نظيره الأمريكي جو بايدن مُنْذ بداية الأزمة الجديدة، من أنّ العقوبات الجديدة ستكون "خطأً فادحاً" وهدّد بدوره بردٍ "عسكري وتقني" في حالة تمسُّك المنافسين "بالخط العدواني الواضح"، بحسب تصريحه.
ويزعم الكرملين أنّ الغرب يستفِز روسيا من خلال تمركُز جنود على بواباتها وتسليح الجنود الأوكرانيين الذين يقاتلون الانفصاليين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا. لذلك دعا بوتين إلى معاهدة رئيسيّة لاستبعاد أوكرانيا من الانضمام إلى الناتو، وكذلك سحب القوات الأمريكيّة من دول أقصى شرق حلف شمال الأطلسي.
ومن جانبهم أكد الأميركيون أنهم لا يريدون تقليص عدد قواتهم في بولندا أو دول البلطيق ويهدِّدون بتقويتها إذا واصل الروس هجومهم. وحذّر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ يوم الجمعة الماضي من أنّ "خطر نشوب صراع جديد أمر حقيقي". وقال أنتوني بلينكين "بالتأكيد انّ جزء من استراتيجية روسيا طرح قائمة مطالب غير مقبولة على الإطلاق ثم يزعمون أن الطرف الآخر لا يلعب لعبتهم ويستخدمون ذلك كمُبرِّر للعدوان". وبالنسبة لجون هيربست، السفير الأمريكي السابق لدى أوكرانيا والخبير في مجموعة فِكْريّة بالمجلس الأطلسي، إن الانتشار العسكري الروسي "خدعة كبيرة" من قبل فلاديمير بوتين للفوز بتنازلات، مضيفاً "طالما ظلّت إدارة بايدن حازِمة كما هي اليوم على الأقل، يجب أنْ يكون هذا كافياً لمنع بوتين من غزو أوكرانيا، لكنّني لا أستبعد عمليّة محدودة".
هذا وإلى جانب الأزمة الأوكرانية، تأمل واشنطن الاستفادة من المحادثات لإعادة العلاقات الأمريكيّة الروسيّة إلى مسارها الصحيح، بعد ان وصلت أدنى مستوى لها منذ نهاية الحرب الباردة، كما يُمْكِنها إحراز بعض التقدُّم في قضايا أخرى، مثل نزع السلاح.
والى ذلك تضاعفت الدعوات من باريس إلى برلين مروراً ببروكسل، لإيجاد مكان حقيقي على طاولة المفاوضات لدول القارة العجوز، وخاصة الاتحاد الأوروبي – أمام الكرملين الذي يبدو أنّه يريد تفضيل المحادثات الثنائيّة الروسيّة الأمريكيّة. ولا شكّ أنّه اختبار للولايات المُتّحِدَة بقيادة جو بايدن، الذي على الرغم من وعود التنسيق، أثار حفيظة حلفائه الأوروبيين بإعطاء الانطباع أنه يعمل بمفرده فيما تعلّق بأفغانستان أو الاستراتيجية المناهضة للصين.
* يتحدَّث الدبلوماسيّون، تَصْمُت الأسْلِحَة:
تبقى القول: لا يمكن ان نكتب عن خُلاصة المباحثات الثنائيّة الامريكيّة الروسيّة، فما جرى في جنيف، كما يرى المراقبون، ليست جولة أولى وإنّما تمهيديّة لطرح المواقف المتشدِّدة، والأهم أنّها تدشِّن السير في طريق الحلول الدبلوماسيّة. وكما كتب المحلل ماريوس كيليزان في صحيفة (رومانيا ليبرا)، من المعروف أنّ الأسلِحة تصمُت عندما يتحدث الدبلوماسيون. ولكن، إلى متى؟
وعليه، هل جنيف – يالطا جديدة أم تقطيع أوصال أوكرانيا؟ فهنالك خياران لا ثالث لهما، إمّا أنْ يتم إعادة توزيع مناطق النِفوذ في أوروبا، أي ما نسمّيه "يالطا الجديدة"، أو ستُهاجم أوكرانيا قريباً من خلال عمل من نوع الحرب الخاطفة.
يبدو أنّ بايدن غاضب من مزاعم فلاديمير بوتين، فماذا يطلب القيصر الجديد؟ لا أكثر ولا أقل، إنّه يطلب اتفاقية جديدة بشأن التدابير الأمنية للاتحاد الروسي والاتفاق مع الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، ينص بوضوح على أنّ الناتو لن ينشر بعد الآن قوات عسكريّة أو مُعِدّات قِتاليّة في البلدان التي انْضَمّت للتحالف بعد مايو 1997. وبشكل أكثر تحديداً، سحب الناتو قواعده العسكريّة من إستونيا وليتوانيا ولاتفيا وبولندا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا والمجر ورومانيا وبلغاريا. ومن ناحيتها ترفض الإدارة الأمريكيّة، بشكل معلن على الأقل، قبول هذا الحل، وتطلق أصوات دول الصف الثاني في الناتو لتعلن أن الولايات المُتّحِدَة لا تَسْتَسْلم لابتزاز الكرملين. وينشر البنتاغون حوالي 80 ألف جندي في أوروبا، 9 آلاف منهم في جميع دول أوروبا الشرقيّة، وبالمقابل تنشر روسيا 170 ألف جندي على حدودها مع اوكرانيا.
جدير بالتذكير أنّه ومُنْذ عام 1997، عندما تم توقيع شراكة السلام بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، لمْ يَنْشُر الحِلف قوات عسكريّة ومُعِدّات قِتاليّة ضخمة في الدول الأوروبيّة حتّى عام 2014، عام الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم. ومنذ ذلك الحين، أقام الأمريكيون قواعد عسكريّة ثابتة وأجرى أيضاً تمارين ردع في دول أوروبا الشرقيّة.
عمليّاً وبشكل أساسي، لمْ تَعُد الشراكة من أجل السلام موجودة اليوم. الاتحاد الروسي يريد استعادة قوته التي فقدها مع انهيار الاتحاد السوفيتي، والقيصر الجديد – بوتين – يحلم أنْ يكون بُطْرُس الأكْبَر.
* الناتو يحتاج لإجماع ثلاثين دول:
قبل أنْ نختِم لابد من الإشارة إلى تحذير الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ من أنّ "خطر نُشوب صِراع بين روسيا وأوكرانيا حقيقي"، حتّى أنّه تحدّث عن غزو روسي مُحْتمل. وأضاف أنّه إذا فشلت الدبلوماسيّة، فإنّ الحلف مُسْتَعِدٌ لمواصلة الحِفاظ على سيادة ووحدة أراضي أوكرانيا واستقلالها "سياسيّاً وعمليّاً"، مع خلقِ "عواقب وخيمة ستكلِّف روسيا". وفي ترجمة مجانيّة، تعني تلك الجُملة المُرَكّبة "أنّ حلف الناتو جاهز للهجوم"، وكل ما في الأمر أن هناك القليل من التفاصيل المُهِمّة، أي ستقرِّر روسيا لوحدها كيف يحدث ذلك، بينما يجب على الناتو الحصول على إجماع ثلاثين دولة، وهو ما لنْ يحدُث. لماذا؟
المجر والتشيك وبولندا وسلوفاكيا يجدون أنفسهم في حرب للدفاع عن أوكرانيا، في حين أنهم المستفيدون الرئيسيون من تفكُّك الدولة المختلطة، التي تم إنشاؤها في عهد فلاديمير ايليش لينين عام 1922 كجمهوريّة سوفيتيّة؟
فأي أوروبي شرقي – لم يهبط للتو من القمر – يعرف أنّ على الخريطة التي تم وضعها في مؤتمر باريس للسلام 1919 – 1920، لمْ تكُنِ أوكرانيا موجودة كدولة، وكذلك كازاخستان. فهل نتأمل هذه الحقيقة لنَنْظُر لما بعد ذلك؟
صفوة القول، من غير المعروف في هذا الوقت ما الذي سيفعله فلاديمير بوتين مع اوكرانيا. ربما يستخدم الأزمة لإعادة ضبط النفوذ في أوروبا. ومعلوم أنّه في حالة وقوع هجوم، فإنّ إدارة بايدن، كما أعلنت، أنها ستطلب من الحلفاء الأوروبيين فرض عقوبات على موسكو. رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان "سيؤلمه الطلب في كوعه"، لقد تفاوض على عقد توريد الغاز الروسي لنصف أوروبا. وما هو أكثر من ذلك، أنّ الدب الروسي يزداد هيجاناً، فيما الصغيرات بقبعاتهم الحمراء في الغابات الأوروبية يَبْتَسِمْن بخجل، ويَقُلْنَّ "ربما الوحش لا يَعُض، إنه يريد فقط أنْ يلعب" كما يُقال في ممرّات وأركان المفوضيّة الأوروبيّة.
وفي تحليله، يتجرأ الكاتب الصحفي ماريوس كيليزان ويكْتُب: الحل المريح بالنِسْبة لرومانيا، سيكون تقسيم أوكرانيا، أي وضع "الوحش" على الطاولة ودعوة اهل الديار ليقطع كل منهم قطعته. ففي كييف، هنالك منذ فترة طويلة رائحة هراء، وليس فقط في سراديب واقبية أديرة الكهوف، علما بأنّ محاولة استطلاع الهراء وفهمه قد تكون طريقة قوية لخسارة الأصدقاء وتنفير الناس. فهل وصلت الرسالة؟
دعونا نَخْتِم بقول المحلل العسكري ألكسندرو كريستيان، في الموسوعة الرومانيّة الأمريكيّة "إنّ عدم إقامة الستار الفولاذي (هيكل اقتصادي – عسكري للدفاع عن دول أوروبا الشرقية) سيؤدي إلى استنزاف موارد القوى العظمى، ولكن أيضاً إلى تشتُّت جيوسياسي وجيواستراتيجي، الأمر الذي سيوقِف في نهايةِ المطافِ تطور أوروبا الشرقيّة، وتراجُع الكُتلة الأوروبيّة الأطْلسيّة بأكْمَلِها، ورُبّما حتّى تفكُّكها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.