من حسن الطالع أن يرافقك في رحلة ما شخص محب للثقافة، إتفقت انا والأستاذ سيف الدين البشيرعلى أن زيارة الفاشر دون المرور على قصر ومتحف السلطان علي دينار لا قيمة لها. سيف الدين مسكون وملتاع بالثقافة ... يقلب لسانه بين الشعر الجاهلي والفصيح والعامي والدوبيت والإنجليزي مع أقاصيص طويلة لا حد لها حتى تخشى على دماغه من الإنفجار. أمضينا في المتحف بصحبة الأستاذ عوض دحيش رئيس المجلس الأعلى للثقافة، والأستاذ أحمد المصري مدير المتحف ساعات في الشرح والمناقشة ... سلطنة دارفور تستحق أكثر من هذا لانها الاقدم في السودان فقد تأسست عام 1445 بينما تأسست سلطنة سنار في العام 1504 ، بل إن السلطنة ومفاهيم الدولة في هذا الإقليم كانت أقدم ولكن التاريخ المذكور هو تاريخ بروزها كإمارة إسلامية. لا يسبق السنارية والفور في السودان سوى إمارة كنز الدولة، وهي الوريث الأول لمملكة المقرة بعد دخول الإسلام في بيتها الحاكم ووصولها لمرحلة الشيخوخة والتصدع. وادي هور ... شمال دارفور تقول عنه بعض المراجع الإنجليزية أنه مهد الحضارة في شمال وادي النيل إذ أن المجموعات الزراعية المستقرة ظهرت فيه أولا عندما كان نهرا خصيبا متدفقا ... وظهرت فيه بعض البلدات الريفية ولكن شح الماء أدى لنزوح المجموعات إلى النوبة العليا ومن ثم الإنتشار جنوبا وشمالا. ودليل المرجع في هذا الأمر كشف قديم بوجود بقايا قرية و(عظام حمير) يعود تاريخها لحقبة أقدم من النوبة. والحمير أصلا لا توجد إلا في المناطق الريفية الزراعية التي تستقر فيها مجموعات سكانية. عن التاريخ إذاً نتحدث ... دعونا نأخذ هذه القطعة من قاموس المعرفة: وكان سليمان سولونج، هو أول سلطان يقوم بتأسيس دولة دارفور الإسلامية عام 1445 م ، وقد استطاع إخضاع (37) زعامة ومملكة صغيرة لحكمه ، بعدما خاض حوالي (32) معركة، وكانت المملكة تتكون من مسلمين ووثنيين، وبدأ السلطان في تدعيم سلطته في دارفور، فقام بخلع الزعامات المحلية وولى على بلادهم زعماء جددا من أهلهم، من هذا التاريخ بدأ حكم الكيرا أو الفور أو الفور الكيرا في دارفور، (والكيرا تعني الأحفاد الخيرة)، وقد حزن زعماء التنجر لفقدهم السيطرة على الحكم في دارفور، فكانوا إذا جلسوا مع الفور يلبسون العمامة السوداء. واستمر الفور يحكمون دارفور ما يقرب من 430 عاما دون انقطاع، أي من سنة 1445 م حتى سنة 1875 م، ثم عاد السلطان الشهير علي دينار وحكمها من سنة 1898 م حتى 1916 م، حيث ُضمت بعد ذلك إلى السودان بالكامل في 1/1/1917م، وبلغ عدد سلاطينها (27) سلطانا. كان الحكم في دارفور فيدراليا وكانت تسمى بسلطنة دارفور الإسلامية ، حيث قسمت البلاد إلى أربع ولايات رئيسية تحت قيادة سلطان البلاد، ويساعده عدد من الوزراء (12 وزيرا)، وكان مجلس وزراء السلطان يقع عليه العبء الأكبر في اختيار السلطان الجديد بعد وفاة السلطان بالتنسيق مع مجلس الشورى. وكان مجلس استشاري السلطنة (مجلس الشيوخ) يتكون من (12) عضوا من الأعيان، بما فيهم حكام الولايات الأربع، وكان من اختصاصه مساعدة السلطان في تسيير أمور البلاد، والمساهمة في اختيار السلطان الجديد