** عجز عمنا الريفي عن تسويق جردقته بأحد أحياء الخرطوم الموصوفة بالراقية، فلجأ إلى وسيلة ذكية.. جمع أهله بالعاصمة، ثم طلب منهم التوجه إلى أكبر محل تجاري بالحي الراقي، وسؤال صاحب المحل إن كان يبيع الجردقة.. يوم تنفيذ الطلب، نام صاحب المحل التجاري حائراً من كثرة الطلب: (عندك جردقة؟).. كان يستنكر طلب الزبائن في بادئ الأمر، ثم احتار حين تزايد الطلب، وأخيراً وعدهم بتوفير (الجردقة).. فجراً، ذهب الريفي إلى ضحيته، صاحب المحل التجاري، وعرض عليه (لوري جردقة)، فاشتراها بأعلى سعر.. وهكذا تخلص الريفي من (بضاعته)..!! ** وتقريباً، لبعض سادة البرلمان بضاعة - كما جردقة الريفي - كاسدة بولاية جنوب كردفان، ويسعون إلى تسويقها بواسطة وزارة المالية ووكلائها وتجار الإجمالي والقطاعي، بتلك الوسيلة الذكية.. فلنقرأ نص الخبر الآتي، لنعرف حجم المسماة ب(هيبة الدولة)، إذ يقول النص: ( وضح للبرلمان انتشار السلاح بولاية جنوب كردفان، وأكد أن نزع السلاح من المواطنين بحاجة إلى جهد كبير، وهناك تفكير جمعي في كيفية جمع السلاح المنتشر، وهناك اقتراح بأن يتم تسليم السلاح إلى أجهزة الدولة النظامية بمقابل مادي، ويتبعه عفو)، هكذا تشرح وتقترح عفاف تاور، رئيس لجنة الإعلام بالبرلمان.. !! ** فالمقترح البرلماني يقر بتجارة السلاح، ويمضي بعيداً بحيث تكون التجارة تحت رعاية وزارة المالية وبمالها العام، وبعلم السلطات المناط بها مهام حماية المسماة ب(هيبة الدولة).. وهذا لا يحدث إلا في الدول المصنفة - حسب المعايير الدولية - في قائمة الدول الفاشلة.. نعم، من معايير الدول الفاشلة (عجز السلطة الحاكمة عن احتكار السلاح بواسطة أجهزتها النظامية).. قبل سنوات قالها باقان في لحظة غضب: (السودان دولة فاشلة)، فقامت قيامة الصحف وساسة الحزب الحاكم، حتى أقالوه من منصب رئيس مجلس الوزراء.. أها، اليوم، باعتراف أعلى جهاز رقابي تشريعي ورقابي بالبلد يقول في منتهى الهدوء: السلطة الحاكمة عاجزة عن احتكار السلاح عبر الجيش والشرطة والأمن، بحيث صار - كما التمباك والسجائر - في متناول يد الجميع، ليس بجنوب كردفان وحدها، بل بدارفور والنيل الأزرق أيضاً.. ومع ذلك، لم - ولن - تقم قيامة تلك الصحف وأولئك الساسة..!! ** ليس من الحكمة، ولا من هيبة الدولة، أن تقاتل الحكومة الحركات المسلحة بغير القوات النظامية.. وما انتشر السلاح في جنوب كردفان وغيرها لحد تقديم مقترح (تسليم السلاح مقابل استلام المال)، إلا انحرف مسار السلاح من قنوات الدولة الرسمية والنظامية إلى قنوات أخرى ذات أجندة مختلفة.. فالسلاح في أيدي المواطنين بجنوب كردفان وغيرها، لم يعد لقتال الحركات المسلحة فقط، بل للنهب أيضاً، وكذلك لتصفية الأجندة القبلية، ونماذج المعارك الدموية كثيرة بدارفور وجنوب كردفان.. ومع ذلك، لم تفكر الحكومة بجدية في تجفيف تلك القنوات الأخرى من السلاح، بل تتمادى في تزويدها وتعبئتها في الطوارئ، بلسان حال قائل (هل من مزيد؟)، حتى بلغ الحال تقديم مقترح شراء السلاح غير المرخص من المواطن، و(كمان عفو)، أي لا مساءلة ولا محاسبة لحامل السلاح بغير ترخيص، أو كما تفعل قوانين الدول غير الفاشلة..!! ** سائحون التي كانت حدثاً في خواتيم العام الفائت، من ثمار (عدم احتكار الدولة للسلاح)، وهناك أسماء أخرى بدافور هي – وليست الحركات - التي تؤرق مضاجع المدائن والأرياف بقوة سلاحها، وها هي جنوب كردفان تمضي على ذات الركب.. كم - وماذا - تبقى بحيث نكون صومالاً؟، ومن المسؤول؟، وإلى متى يستنجد النهج الحاكم بالخرطوم من رمضاء الحركات المسلحة بنار الفوضى المسلحة؟.. فتح محلات جمع السلاح مقابل المال، بجنوب كردفان أو بغيرها، لن يساهم إلا في تطوير تجارة السلاح في المجتمع، بحيث يزداد العرض والطلب، وهذا ماحدث بجنوب دارفور في عهد الدكتور الطيب إبراهيم محمد خير.. هناك وسائل أخرى تليق بهيبة الدولة في جمع السلاح وطرح القانون، وليس من العقل ألا تتعظوا من تجاربكم، فابحثوا عن تلك الوسائل الأخرى.. هذا ما لم يكن لبعضكم (دوشكات كاسدة)، ومراد تسويقها لوزارة المالية ومالها العام..!!